للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان عَالِمًا بعُلُوم القُرْآن من التَّفْسِير والقِرَاءَات وغيره، وكان رَجُلًا صَالِحًا، سَافَرَ إلى البِلاد في طَلَب الحَدِيْث، وقَدِمَ حَلَب في رِحْلَته.

وذَكَرَ لي الفَقِيهُ عِزّ الدِّين عُمَر بن دَهْجَان البَصْرِيّ المالِكِيّ أنَّ أحْمَد بن سَلْمَان الحَرْبِيّ وُلد سَنَة أرْبعين وخَمْسِمائَة، قال لِيِ: وقَرأ القُرْآن بالرِّوَايَات، وسَافَرَ إلى وَاسِط، فقَرَأ بها بالقِرَاءَاتِ العَشْر حتَّى مَهَرَ في ذلك، وصَنَّف وأَقْرأَ، وكان عَالمًا بتَفْسِيْر القُرْآن وأسْباب نُزُولهِ وتأويله. وكان كُلّ يَوْم إذا صَلَّى الفَرْض بآياتِ، يقعُد في المَسْجِد ويُفَسِّرُ لهمِ تلكَ الآيات، وكان يقُول: واللّه إنِّي لأعْلَم تفسِير الآيةِ وتأويلها وسبَبَ نُزُولها ووَقْتَهُ وفيمَن نَزلتْ، فأيْشٍ يذهَبُ عليَّ بعد ذلك من القُرْآن، أو ما هذا معناهُ.

قال: وكان كَثِيْرَ التِّلَاوَة للقُرْآن، طَويْلَ القُنُوتِ، كان يُصَلِّي التَّرَاوِيح كُلّ ليلَةٍ بعَشَرة أجْزاء من القُرْآن، فإذا كان النِّصْف من رَمَضَان صَلَّى كُلِّ لَيْلَةِ بنصْف الخَتْمة، وكان يَنْصَرف من صَلاةِ التَّرَاوِيح وقد صَعِدَ المُسَحِّرُون المنَارات، وكان خَشن العَيْش يأكلُ من كَسْب يديْهِ، وانْقَطَعَ إلى العِلْم.

قال: وكان عَفيْفًا، لطيفَ الأخْلَاق، كَتَبَ الكَثيْر بخَطِّه، وكان خَطُّه رَدِيئًا، وكان مُفيدَ النَّاس في زَمَانِهِ، يقرأُ لهم، وينْقُل السَّمَاعات، ويَدُلُّهم عِلىِ الشُّيُوخ، وسافَرَ في طَلَب العِلْم والحَدِيْث إلى البِلادِ، ودَخَلَ حَلَبَ ودِمَشْقَ وغيرَهمُا، وعاد إلى بَغْدَادَ، فتُوفِّي بالحَرْبيِّةِ في جُمَادَى من سَنَة ستِّمائة، ودُفِنَ بمَقْبَرَة أحْمَد رَضِيَ اللّهُ عنهُما.

أنْبَأنَا الحافِظ أبو مُحَمَّد عبد العَظِيْمِ بن عَبْد القَوِيّ قال في كتاب التَّكْمِلِة لوَفَيَات النَّقَلَة (١)، في ذِكْر مَنْ مات في سنَة إحْدَى وسِتّمائة: وفي لَيْلَة العاشر من


= ابن الجزري: غاية النهاية ١: ٥٨ (وفيه: ابن شريك)، العيني: عقد الجمان ٣: ١٧٠، النجوم الزاهرة ٦: ١٨٨ (أحْمَد بن سُلَيمان)، شذرات الذَّهب ٧: ٦ (أحْمَد بن سُلَيمان).
(١) التكملة لوفيات النقلة ٢: ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>