كَفَّان بلولَب، فاعْتَوَرتا سَاق الإنسان الوَاقِف، وأطْبَقَتا عليها قَيْداً مَقْسُوماً بهلَالين، في طَرَف أحَدِهما عَمُود للقُفْل وفي الآخر فراشَةٌ، فإذا الْتَقَتا فكأنَّ يداً أَقْفَلَتْ قفلاً، فلا يتهيَّأ للرَّجُل -مَجْنُوناً كان أو صحِيْحاً- التَّخَلُّص منه إلَّا بعد أنْ يجيء الخاَدِمُ بمِفْتاحهِ فيفَتَحهُ.
فقال أحْمَد بن الطَّيِّب: فقُلتُ: يا أبا عبد اللّه، خُبْز! فوَثَبَ وَثبةً ليقرُبَ منّي، فأخَذَهُ القَيْدُ، فبقي يُزبِدُ ولا يهيَّأُ له فيَّ حِيْلَة، والمُعْتَضِد يسكّنُه ويَشْغَلُه عَنِّي حتَّى سَكَن، فقال له: ما تَشتهَي يا أبا عَبْد اللّه؟ فقال له: أشْتَهي أنْ يَجْلِسَ ابن الطَّيِّب إلي جانبي، فقال: قُم يا أحْمَدُ فاجْلِسْ إلى جانبهِ، فقلتُ: على شَريطة أنْ يَضَعَ أبو عَبْد اللّهِ يدَيهِ على الأرْض وِيقُوم على أرْبَعَة. وكان إلى جانب ذلك المَوضع بابٌ آخر لَطِيفٌ علِى هذه الصُّورة، قال: نعم، فلما وضَع يديهِ نالَهُما ما نال رِجلَيهِ، فبقي مُوْثقاً، فوثبتُ فَقَرُبْت منهُ، فنَظَر إليَّ من غير أنْ يتمكَّن منِّي لبَطْشِه، فصَاح صِيَاح الشَّاة ووَصل ذلك، فلم يتَمَالك المُعْتَضد ضحكًا، وكان بَعِيداً من الهَزْل، فلمَّا بَصُر بهِ رذَعَة وهو يَضْحَكُ، نَظَرَ إليَّ وهَزَّ رأْسَهُ، ثمّ أقْبَلَ على المُعْتَضِد، وقال:[من مجزوء الكامل]
يا ابنَ المُوَفَّق لا تَضَاحَكْ … واحْذَرْ وإلَّا صِرْتَ شَاهْ
هذا خَبِيْثٌ مُخْبثٌ … من شَرِّ خُبَّاثِ السُّعَاهْ
فاحْذَرْهُ واكتُبْ ما أقُو … لُ بظَهْرِ تَذْكِرَةِ الدَّوَاهْ
لا تَأْنَسنَّ بهِ فإن … ـني قد نصحْتُ وَهَا وَهَاهْ
قال: فواللهِ لقد رأيتُ المُعْتَضِدَ وقد تَغَيَّر وَجْهُه، وانْحَطَّ أُنْسُهُ، فلم أزَلْ أتعَرَّفُ ما أثر فيَّ من تَحْريضِهِ، فما زالَتْ تلك الخِبْيَة (a) في نفس المُعْتَضِد حتَّى قَتَل أحْمَد بسَبَب السِّعَايَةِ.