للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيا مَنْ بَكَي طَرْفُ المَكَارِم وَحْشَةً … لهُ ولسَانُ الفَضْل والحِلْمِ نَادِبُه

ولو نَطَقَتْ كُتبُ العُلُوم إذًا بَكَي … على فَقدِه من كُلِّ عِلْمٍ غَرَائبُه

ولو أنَّ هذا اللَّيْل يَعْلَمُ أنَّهُ … قَضَى لقضَى أَلَّا تَزُولَ غيَاهِبُه

ولو عَلِمَتْ شُهْبُ الظَّلَام بفَقْدِهِ … إذًا نَدَبتْهُ في الظَّلَام كَوَاكبُه

سَقَى قَبْرَهُ السّحْبُ الغزارُ وخصَّهُ … من اللهِ عَفْوٌ لا يزالُ يُصَاحبُه

فما زال كُلُّ النَّاسِ ينْهَبُ عِلْمَهُ … إلى أنْ غَدَا صَرْفُ الرَّدَى وهو نَاهِبُه

وقد عمَّ أهلَ الأرْض جَمْعًا مُصَابُهُ … كما عمَّهم إحْسَانه ومَوَاهِبُه

رَعَى الله قَبْرًا أنتَ يا عَمِّ مُلْحَدٌ … بهِ وسَقَاهُ من حَيا المُزْنِ صَائبُه

ولرلا تَوخِّيْك الطَّهَارةَ شِيْمةً … لقُلتُ: سَقَاهُ من دَمِ الدَّمْعِ سَاكبُه

وقَرَأتُ فيه لأبي يَعْلَى عَبْد البَاقِي بن أبي حَصِيْن من قَصِيدَة: [من الوافر]

نِصَالُ الدَّهْر أقْصَدُ من سِوَاها … وإنْ أَدْمَتْ ولم تُدْمِ النِّصَالُ

ألَم تَرَ كيفَ لم يأمَنْ مَنْ شَباهَا … أميْنُ الأرْض والوَرِع البجَالُ

وسَار سَريِره فَوْق الهوَادِي … لقد خَفَّتْ مُذِ اليَوْم الجِبَالُ

وأُقْبِر في المَعَرَّةَ وهو أَوْلى … بقَبْرٍ في المَجَرَّةِ لا يُطَالُ

وَقَرأتُ فيه لأبي الفَتْح الحَسَن بن عبد الله بن أبي حَصِيْنَة (١): [من ١٥ الكامل]

العِلْمُ بعد أبي العَلَاء مُضَيَّعُّ … والأرْضُ خاليَةُ الجَوَانِبِ بَلْقَعُ

لا عَالِمٌ فيها يُبَيّنُ مُشْكلًا … للسَّائلينَ ولا سمَاعٌ يَنْفَعُ

وَعظ الأنامَ بما اسْتَطاعَ من الهُدَى … لو كان يعْقلُ جَاهِلٌ أو يَسْمَعُ


(١) لم ترد مرثيته هذه في صديقه أبي العلاء في ديوان شعره، ذلك أن الديوان من جمع أبي العلاء نفسه، وهي - باستثناء بعض الأيات وزيادة أخرى - في المستدرك على الديوان ١: ٣٧٣ - ٣٧٤ نقلًا عن ياقوت (معجم الأدباء ٣: ١١٢٤ - ١١٢٥)، وابن الوردي: تاريخه ١: ٥٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>