للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُه في البلَادِ، وعُرِفَ خَطُّهُ بين الحاضِر والبَادِ، فتَهادَاهُ المُلُوكُ، وجُعِلَ مع اللَّآلئ في السُّلُوكِ … فممَّا رَغِبَ في خَطِّهِ أنَّه اشْتَرى وِجْهَةً واحدةً بخَطِّ ابن البوَّاب بأرْبَعين دِرْهَمًا، ونَقَلَها إلى وَرقَةٍ عَتِيْقةٍ، فذَهَب بها وادّعى أَنَّها بخَطِّ ابن البوَّاب وباعَها بستِّينَ دِرْهمًا زِيَادةً على الَّذي بخَطِّ ابن البوَّاب بعشْرين دِرْهمًا، ونَسَخَ لي هذه الرُّقْعَةَ بخَطِّهِ، فدَفَع فيها كُتَّابُ الوَقْت - على أَنَّها بخَطِّه - دِيْنارًا مصْريًّا ولَم يَطِبْ قَلْبِي ببَيْعها، وكَتَبَ لي أيضًا جُزءًا فيه ثلاثَ عَشرِةَ قائمةً نَقَلَها من خَطِّ ابن البوَّاب، فأُعْطِيتُ فيها أرْبَعين دِرْهمًا ناصِريَّة قِيْمتُها أرْبَعةُ دنانِيْر ذَهَبًا فلم أفْعَلْ، وأنا أعْرِفُ أنَّ ابن البوَّاب لَم يكُن خَطّه في أيَّامِه بهذا النِّفَاق، ولا بلَغَ هذا المقْدَارَ من الثَّمَن".

ويُضِيفُ ياقُوتُ أنَّ خَطَّ ابن العَدِيْم كان مَطْلبًا للاسْتِهْداء، "فممَّن كَتَبَ إليهِ يَسْتَرفده شَيئًا من خَطِّهِ سَعْدُ الدّين مَنُوجَهر المَوصليّ، ولقد سَمِعتُهُ مِرَارًا يَزْعم أنَّهُ أكْتَب منِ ابن البوَّاب، ويَدَّعِي أنَّه لا يَقُوم أحدٌ في الكتابةِ ويُقِرُّ لهذا كَمال الدِّين بالكَمَال، فوجَّه إليهِ على لسَان القاضِي أبي عليّ القِيْلويّ، وهو المَشْهُورُ بصُحْبَةِ السُّلْطان الأشْرَف، يَسْأله سُؤالَهُ في شَيءٍ من خَطِّهِ ولو قَائمة أو وِجْهَة. وممَّن كَتَبَ إليهِ يَسْتَرفده خَطّه أمينُ الدِّين ياقُوت المعرُوف بالعالِم، وهو صْهرُ أمين الدِّين ياقُوت الكاتِب الَّذي يُضْربُ به المَثَلُ في جَوْدَةِ الخَطِّ وتخرَّجَ به أُلُوف، وتتلْمَذَ له مَن لا يُحْصَى" (١).

وأجادَ ابنُ العَدِيْم من الخطُوطِ الخَطَّ المَنْسُوب (٢)، وهو نَوْعٌ من خَطِّ المُحَقَّقِ، لا خَطًّا قائمًا بذَاتِه، ضُبِطَتْ فيه قِياسَاتُ الحُرُوفِ بالنُّقَاطِ المُرَبَّعةِ على نِسَبٍ هَنْدَسيَّةٍ مُعَيَّنة (٣)، فيَجيءُ كُلُّ حَرْف بمَقاييسَ مُتَناسِقَةٍ، وأَبْعادٍ مَضْبوطة بإحْكام تُفضِي إلى جَمالِ الشَّكل والتَّوازن والانْسِجَام بين الحُرُوف والكَلِمَات والسُّطُور.


(١) مُعْجَمُ الأدباء ٥: ٢٠٨٦ - ٣٠٨٧.
(٢) الذهبي: تاريخ الإسلام ١٤: ٩٣٧، ابن شاكر فوات الوفيات ٣: ١٣٦، الصفدي: الوافي بالوفيات ٣٣: ٤٣٣، ابن حبيب: درة الأسلاك، ورقة ١٥ ب.
(٣) انظر عن تطور الكتابة المنسوبة: نصار منصور الخط المحقق ودوره في كتابة المصحف الشريف (ضمن كتاب بحوث ودراسات مهداة إلى محمد عدنان البخيت، الجامعة الأردنية، ٢٠١٣ م)، ٣٧٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>