للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتْقَنَ ابنُ العَدِيْم أيضًا خَطّ النَّسْخ وخاصَّةً قلَم الحَواشِيّ، وقيلَ إنَّهُ هو الَّذي اخْتَرعه (١)، وقَلَم الحَواشِي هو "الخَفِيفُ من خَطِّ النَّسْخ" (٢)، وعرَّضَ فَتحُ الدِّين عَبْد اللّه بن مُحمَّد بن القَيْسَرانيّ بهذا في شِعْره بقَوله: [من الوافر]

بوَجْهِ مُعَذِّبي آيَاتُ حُسْنٍ … فقُلْ ما شئْتَ فيه ولا تُحَاشِي

ونُسخةُ حُسْنهِ قُرِئت وصَحَّت … وها خَطُّ الكَمَال على الحَواشِي (٣)

ولا زَالَ مِحْرَابُ المَدْرَسةِ الحلويَّةِ بحَلَب إلى اليَوم شَاهِدًا على بَرَاعةِ ابن العَدِيْم في الخَطِّ، من خِلَالِ ما كَتَبَهُ على أطْرَافِ المِحْرَاب (٤).

هذا مُجمَلُ ما أوْرَدَتْهُ المَصادرُ عن خَطِّ ابن العَدِيْم، وفيها من الثَّنَاءِ عليه الشَّيءُ الكَثِيرُ، حتَّى نَصَّبُوه إلى جانِبِ كبار الخطَّاطِيْنَ كابن مُقْلَة وابن البوَّاب، ووَردَ في مَصادِر ترجَمته كذلك أَنَّه كَتَبَ أجْزَاءَ كتابهِ بُغْيَة الطلَب بخَطِّهِ الرَّائِق، والنُّسْخَةُ الَّتي وَصَلتنا منِ الكتابِ بخَطِّهِ كما يشيرُ أغلبُ الدَّلائل - بالرَّغْم من خُلوّ كامِلِ أجْزائها من حَرْدِ مَتنٍ - خاصةً بلاغات السَّمَاع والقِراءة على هَوامِشها: "بَلَغَ وَلداي عَبْد الرَّحمن ومُحمَّد من أوَّله قرَاءة وسَماعًا .. " (٥)، غير أنَّ خَطَّ النُّسْخَةِ لا يُطابِقُ الأوْصَافَ المُسْبَغَةَ على خَطِّ مُؤلِّفها، فهي - كما يَظْهَرُ من النَّماذجِ الَّتي تأتي تِلو هذه الدِّراسة - مَكْتُوبة بخَطٍّ


(١) ابن شاكر فوات الوفيات ٣: ١٣٦، الصفدي: الوافي بالوفيات ٣٣: ٤٣٣، ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ٧: ٣٠٩.
(٢) النويري: نهاية الأرب ٩: ٣٣٣.
(٣) الذهبي: تاريخ الإسلام ١٤: ٩٣٧، ابن حبيب الحَلَبيِّ: درة الأسلاك، ورقة ١٥ ب، ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ٧: ٣٠٩.
(٤) انظر نص ما كتبه على المحراب، وصورته، عند الطباخ: إعلام النبلاء ٤: ٤٦١ - ٤٦٣.
(٥) جاء على غلاف الجزء الخامس من كتاب بغية الطلب: "كتاب من تاريخ حلب لابن أبي جرادة، وهو الأستاذ البليغ الناظم الناثر الوزير الصاحب كمال الدين بن العديم كاتم السر رحمه اللّه تعالى وشكر صنيعه، وهو بخطه الصَّحيح المليح"، وذكر السخاوي في عصيله للنسخ التي كانت في ملك ابن السَّابق الحموي أنها بخط المؤلف. انظر: الإعلان بالتوبيخ ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>