للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتحاربوا، ونَصَر الله الرَّعيَّةَ منِ أهل حَلَب عليهم، وقُتِلَ من القَرَامِطَة جَمَاعَة كثيرة، وخَرَجُوا يَوْم السَّبْت يَوْم عيد الفِطْر مع أبي الأَغَرّ إلى مُصَلَّى العِيْد، وعيَّد المُسْلمُون وخَطب الخَطِيبُ على العَادَة، ودَخَل الرَّعِيَّة إلى مَدِيْنَة حَلَب في أمن وسَلامَة، وأشْرَف أبو الأغَرّ على عَسْكَر القَرَامِطَة فلم يَخْرج إليه أحدٌ منهم، فلمَّا يَئسُوا من فُرْصَة يَنْتَهزُونها من حَلَب ساروا ومَضَوا إلى صَاحِب الخَال.

ولمَّا انتَهى إلى المُكْتَفِي بالله هذه الأُمُور، خَرَجَ نحوه، وجَهَّز إليه عَسْكَرًا قَوِيًّا في المُحَرَّم سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن، فقُتِلَ من أصْحَاب القِرْمِطِيّ خَلْق كَثِيْر، وانْهَزم نحو الكُوفَة، فقُبِضَ بالدَّالِيَةِ من سَقي الفُرَات، وحُمِلَ إلى الرَّقَّة إلى المُكْتَفِي بالله. فُحمِل إلى بَغْدَاد، وشُهِّر وطِيْفَ بهِ على جَمَل - وقيل: على فِيْل - ثمّ بُنِيَت له دَكَّة فقُتِلَ عليها هو وأصْحَابه في شَهْر رَبِيع الأوَّل من سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائَتيْن.

وكان لَعَنهُ اللهُ أدِيْبًا شَاعِرًا، وكَثِيْر ممَّا يقع الاخْتِلَاف في اسْمهِ ونَسَبهِ، واسْم أخيه الّذي قُتِلَ قَبْلهُ عليّ بن عبد الله، وبعضُهم يُسَمِّي أخاه مُحَمَّد بن عبد الله بن يَحْيَى، والصَّحيح أنَّ الّذي ثبت عليه في اسْمه ونَسَبه: أبو العبَّاس أحْمَد بن عبد اللهِ، وهو دَعِيٌّ.

وإنَّما سُمُّوا القَرَامِطَة - زَعَمُوا - أنَّهم يُدعونَ إلى مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عليّ، ونُسِبُوا إلى قِرْمِط، وهو حَمْدَان بن الأشْعَث؛ كان بسَوَادِ الكُوفَة، وإنَّما سُمِّي قِرْمِطًا لَأنَّهُ كان رَجُلًا قَصِيْرًا، وكان رِجْلاهُ قَصِيرتَيْن، وكان خطْوهُ مُتَقارِبًا، فسُمِّي بهذا السَّبَب قِرْمِطًا، وكان قِرْمِط قد أظْهَر الزُّهْد والوَرَع وتسوَّق به على النَّاس مَكِيْدةً وخُبْثًا.

وكان أوَّل سنَة ظهَر فيها أمْر القَرَامِطَة سَنَة أرْبَعٍ وسِتِّين ومَائَتيْن، وذكَرَ بعضُ العُلَمَاء أنَّ لَفْظَة قَرَامِطَة إنَّما هو نِسْبَةٌ إلى مَذْهبٍ يقال له القَرْمَطة؛

<<  <  ج: ص:  >  >>