قالا: وفي آخر هذه السَّنَة ظَهَرَ رَجُلٌ يُقال له مُحَمَّد بن عبد الله بن يَحْيَى، من وَلد إسْمَاعِيْل بن جَعْفَر العَلَويّ بنَوَاحِي دِمَشْق، يَدْعُو إلى نَفْسِه، واجْتمع إليه خَلْقٌ كَثيْرٌ من الأعْرَاب وأتْباعِ الفِتَن، فسَار بهم إلى دِمَشْق، وكان بها طُغْج بن جُفَّ مَوْلَى أَمِير المُؤمِنِنِ من قِبَل هَارُون بن خُمَارَويْه عَامِل أمِيْر المُؤمِنِين على مِصْر والشَّام، فلهَّا بلَغَهُ خَبَرهُ اسْتَعَدَّ لحَرْبِه، وتَحَصَّن طُغْج بدِمَشْق، فحصَرَهُ هذا العَلَويّ بها، وكاتَ بينهما وَقْعات، وانقَضَتْ.
قالا: وفي هذه السَّنَة - يعني سَنهَ تسْعين ومَائَتيْن - جَرَت بين طُغْج بن جُفّ وبينِ القِرْمِطِيّ حُروبٌ كثِيْرةٌ كُلّها على طُغْج، فكَتَبَ إلى هَارُونَ يَسْتَنجدهُ، فوجَّه إليهِ من مِصْر جَيْشًا بعد جَيْشٍ، كُلّ ذلك يَهْزمهم القِرْمِطِيّ.
ثُمَّ وجَّه هارُون بن خُمَارَوَيْه ببَدْر الحَمَاميّ، وكَتَبَ إلى طُغْج في مُعاضَدَته، وضمّ إليه وُجُوه القُوَّاد بمِصْر والشَّام، فخرَج إلى القِرْمِطِيّ، فكانت بينهم حُروب كثِيْرة أتَتْ على أصْحَاب بَدْر الحَمَاميّ، وكان هذا القِرْمِطِيّ قد جَعَلَ علامتَهُ رُكُوب جَمَل من جِمَالهِ، وتَرَكَ رُكوبَ الدَّوَابّ، ولَبس شابًا وَاسعَةً، وتعَمَّمَّ عِمَّةً أعْرَابيّةً، وأمَرَ أصْحَابَهُ أنْ لا يُحاربُوا أحدًا وإنْ أُتي علجهم حتَّى يَنْبعِث الجَمَل من قِبَل نَفْسهِ من غير أنْ يُثيره أحدٌ، فكانُوِا إذا فَعَلُوا ذلك لم يُهْزمُوا، وكان إذا أشَار بيَده إلى نَاحِيَةٍ من النَّواحِي انْهزمَ منْ يُحاربهُ، واسْتَغوى بذلك الأعْرَابَ.
فخرَجَ إليهِ بَدْرٌ يَوْمًا لمُحارَبتهِ، فقَصَد القِرْمِطِيّ رَجُل من أصْحَاب بَدْر يقال له زُهَيْر بزَانَةٍ، فرَماهُ بها فقَتَلَه، ولم يَظْهَر على ذلك أصْحَاب بَدْرٍ إلَّا بعد مُدَّة، فطُلِبَ في القَتْلَى فلم يُوْجَد، وكان يُكْنَى أبا القَاسِم.
قال ابنُ أبي الأزْهَر وحَدَّثني كاتبُهُ المَعْرُوف بإسْمَاعِيْل بن النُّعْمان، ويُكْنَى بأبي المُحَمَّدِيْن - وسَبَب هذه الكُنْيَة أنَّهُ وَافَى مع جَمَاعَةٍ من القَرَامِطَة بعد الصُّلْح وقَبُولهم الأمان من القَاسِم بن سِيْما، وكان على طَريق الفُرَات، ومن