للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدَّثَني مَنْ كان مَعَهُم، قال: رأيتُ عِصَامًا، سَيَّافَهُ، وقد أخَذَ من بَعْلَبَك امْرأةً جَمِيلةً جدًّا ومعها طِفْل لها رَضِيعٌ، فرأيُتُهُ والله وقد فَجر بها، ثمّ أخَذَ الطِّفْل بعد ذلكَ فرَمَى به نحو السَّماءَ ثمّ تلقَّاهُ بسَيْفه فرَمى به قِطْعَتين، ثمّ عدَل إلى أمِّهِ بذلك السَّيْف بعَيْنِهِ، فضربَها به فبَتَرها.

فلمَّا اتَّصَل عظيمُ خَبَرِهِم، وإقْدَامُهُم على انْتِهَاك المَحَارِمِ، ودَامَ، خَرَج أَمِير المُؤمِنِين المُكْتَفِي بالله مُتَوَجِّهًا نحوه، يَوْم الثّلاثَاءَ لتسْعٍ خَلَوْنَ من شَهْر رَمَضَان، في قُوَّادِه، ومَوَالِيهِ، وغِلْمَانه، وجُيُوشهِ، وأخَذَ على طَرِيق المَوْصِل، ثمّ صار إلى الرَّقَّةِ وأقامَ بها، وأنْفَذَ الجُيُوش نحو القَرَامِطَة، وقلَّد القَاسِم بن عُبَيْد الله بن سُلَيمان تَدْبِير أمْر هذه الجُيُوش، فوجَّه القَاسِمُ مُحَمَّد بن سُلَيمان الكَاتِبَ صَاحِبَ الجَيْش خَلِيفَةً له على جميع القُوَّادِ، وأمرَهُم بالسَّمْع والطَّاعَة، فنفَذ عن الرَّقَّةِ في جَيْشٍ ضَخمٍ، وآلةٍ جَمِيلةٍ، وسلاحٍ شَاكٍ؛ وكَتَبَ إلى جميع القُوَّادِ والأُمرَاءِ في النَّواحِي بالسَّمْع له والطَّاعَة لأمْره، وضَمَّ مُحَمَّد بن سُلَيمان القُوَّادَ بعضَهُم إلى بعضٍ، وصَمَدَ نحوِ القِرْمِطِيّ، فلم يزل يُعْمِل التَّدْبِيرَ، ويُذْكِي العُيُونَ، ويُشُاور ذَوي الرَّأي، ويَتَعرَّفُ الطُّرُقات إلى أنْ دخلَتْ سَنَةُ إحْدَى وتِسْعِين. قال: وفي أوَّل هذه السَّنَة، كَتَبَ أَمِيرُ المُؤمِنِين إلى مُحَمَّد بن سُلَيمان، وإلى سائر القُوَّادٍ في مُنَاهَضَةِ القِرْمِطِيّ، فسَاروا إليه، فالْتَقَوا على اثْنَى عَشر مِيْلًا من حَمَاة في موضِعٍ بينَهُ وبين سَلَمْيَة، فاشْتَدَّت الحربُ بينهم، وصَدَقُوهم القِتَال، فتجمَّع القَرَامِطَةُ وحَمَلُوا على المَيْمَنَة حَمْلَة رَجُلٍ واحدٍ، فثبَت الأوْلِيَاءُ، فمرُّوا صَادِفيْن عنها وجعَلُوها هَزِيمَةً، ومنَح اللهُ أكْتَافِهم، وقُتِلَ منهم وأُسِرَ أكْثر من عَشَرة آلاف رَجُل، وشُرِّد الباقونَ في البَوَادِي، واسْتَمرَّت بهم الهَزِيمَةُ، وطلَبَهُم الأوْلِيَاءُ إلى وَقْت صَلَاةِ عِشَاءَ الآخرة من ليلَةِ الأرْبَعَاء لسَبعٍ خَلَوْنَ من المُحَرَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>