للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمَّا رأى القِرْمِطِيّ ذلك، ورأى مَنْ بقي من القَرَامِطَة قد كَاعُوا (١) عنْهُ، حَمَّلَ أخًا لهُ يُكْنَى أبا الفَضْل مَالًا، وتقدَّم إليهِ أنْ يلحقَ بالبَوَادِي إلى أنْ يظهَرَ في موضِع آخر، فَيَصير إليهِ، وتجمَّع رُؤَساَءُ القَرَامِطَة، وهم الّذين كانوا صَارُوا إلى رحْبةِ مَالِك بن طَوْق، فطَلَبُوا الأمَان، وهم: أبو المُحَمَّدين، والنُّعْمان بن أحمد، وأحمد بن النُّعْمان أخو أبي المُحَمَّدين، ووِشَاح، وعطير، وشديد بن رِبْعِيّ، وكُلَيَب من رَهْط النَّحَّاس، وعِصْمَة (٢) السَّيَّاف، وسجيفة (a) رَفِيْقهُ، ومَسْرُور، وغشَّام، فقالوا للقِرْمِطِيّ، وهو صَاحِبُ الخَال: قد وجَبَ حقُّكَ علَيْنا، وقد رأيْتَ ما كان من جِدِّنا واجْتِهادِنا، ومن حَقّكَ علينا أنْ نَدَعَكَ ورأيكَ، وإنَّما يَطْلُبنا السُّلْطانُ بسَبَبكَ، فانْجُ بنفسكَ، فأخَذَ أَلْفَ دِيْنارٍ فشَدَّها في وَسَطه في هِمْيَانٍ، وأخَذ معهُ غُلامًا له رُوْمِيًّا يقال له: لُؤْلُؤ، كان يَهْواهُ ويَحلُ منه مَحَلّ بَدْر من المُعْتَضِد باللهِ، ورَكِبَ معَهُ المُدَّثِّر، وكان يَزْعُمُ أنَّهُ ابن عمّه، والمُطَوَّق غُلَامه، ومع كُلّ واحدٍ منهم هِمْيَان في وَسَطه.

فأمَّا المُطَوَّق - وهو [الّذي] (b) اتُّخِذَ له سِخَاب (٣) وَقْت دُخُوله إلى مَدِينَة السَّلام - فإنِّي سألتُ عنهُ أبا المُحَمَّدين فذكَر أنَّهُ رَجُل منِ أهْلِ المَوْصِل، وأنَّهُ صَار إلى الإمَام - بزَعْمهِ - فجعَل يُورِّقُ له ويُسَامرُه، ولم يُعْرف قبل ذلكَ الوَقْت.

وأخَذُوا دَلِيْلًا، وسَار يُريد الكُوفَة عَرْضًا في البِرِّيَّة، فغَلط بهم الدَّلِيْلُ الطَّريق، وأخرجَهُم بمَوضعٍ بين الدَّالِيَةِ والرَّحْبَةِ يُقال له: بَنُو مُحْرِز، فلمَّا صَاروا إلى بني مُحْرِز نزلُوا خارج القَرْيَةِ في بيَدْر عَامر، فأخْرَجُوِا دَقِيقًا كان معهم في مِزْوَد، واقْتدَحُوا نارًا، واحْتَطبُوا ليَخْبزُوا هناك، وكان وقْت مَغِيْب الشَّمْس،


(a) مهملة في الأصل، والإعجام على التقريب.
(b) إضافة ليستقيم النصّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>