فعَلَا الدُّخَانُ، وارْتاب المُوَكَّلون ببني مُحْرِز من أصْحَاب المَسَالِح بما رأَوه، فأَمُّوا المَوضعَ، فلَقُوا الدَّلِيْلَ فعَرِفَهُ بعضُهُم، فقال: ما وراءَكَ؟ قال: هذا القِرْمِطِيّ وراء الدَّالِيَةِ، فشَدُّوا عليهم فأخَذُوهم، وكَتَبُوا إلى أبي خُبْزَة وهو في الدَّالِيَةِ يُعْلمونَهُ بهذا، فأتاهُم ليلًا، فأخَذَهم وصَار بهم إلى الدَّالِيَةِ، وأخَذَ من وَسط غُلَام له هِمْيَانًا فيه ألْفا دِيْنارٍ، ومن وَسَط المُدَّثِّر مثْل ذلك، وأخَذَ الهِمْيَانَ الّذي كان مع القِرْمِطِيّ، ووَكَّل بهم في دارٍ بالدَّالِيَة، وكتَبَ إلى أحْمَد بن مُحَمَّد بن كشْمَرْد - وهو بالرَّحْبَةِ - يُخْبرهُ، فأسْرَع فِي السَّير إليهم، فلمَّا وَافَى احْتَبس القِرْمِطِيّ في بيتٍ لَطيفٍ في مُجَنَّب الحيْرِى، فحَدَّثَني بعضُ أهْل الدَّالِيَةِ قال: لمَّا وَافَى ابن كشْمَرْد سَأل القِرْمِطِيّ: ما أُخِذَ منك؟ قال: ما أُخِذَ منِّي شيء، فقال له المُطَوَّق: أتْبْغي من الإمَام ما لا يَحْسُنُ منهُ الإقْرارُ بهِ، ودَعا بالبَزَّاز فأخَذَ ثيابًا، ثُمَّ دعا بالخَيَّاط ليقطَع للقِرْمِطِيّ تلك الثِّيَاب، فقال الخَيَّاط للقِرْمِطِيّ: قُم حتَّى أُقَدِّر الثَّوب عليكَ، فقال المُطَوَّقُ للخَيَّاط: أتَقُول يا ابن اللَّخْنَاء للإمام قُمْ! اقطَعْ - ثكلتْكَ أُمّك - على سَبْعَة أشْبَار. وصار ابن كشْمَرْد وأبو خُبْزَة بالقِرْمِطِيّ إلى الرَّقَّة، ورجعَتْ جُيُوش أَمِير المُؤمِنِين بعد أنْ تلقَّطُوا كُلّ مَنْ قَدَرُوا عليه من أصْحَاب القِرْمطِيّ في أعْمَال حِمْص ونَواحيها، ووَرَدَ كتاب القَاسِم بن عُبَيْد الله بأنَّ القِرْمِطِيَّ أدخلَ الرَّقَّة ظاهرًا للنَّاس على جَمَلٍ فَالِج، وعليه بُرْنُس حَريْر ودُرَّاعَة دِيْبَاج، وبينَ يَدَيْهِ المُدَّثّر والمُطَوَّق على جَمَلَيْن في يَوْم الاثْنَين لأرْبَع ليالٍ بَقِينَ من المُحَرَّم سَنَة إحْدَى وتِسْعِين ومَائتَيْن حتَّى صِيْرَ بهم إلى دار أَمِير المُؤمِنِين بالرَّقَّةِ، فأُوْقِفُوا بينَ يَدَيْهِ، ثمّ أمرَ بهم فحُبِسُوا، واسْتَبْشرَ النّاسُ والأوْلِيَاءُ بما هنَّأهُ اللهُ في أمر هذا القِرْمِطِيّ. وقرَّظَ أَمِيرُ المُؤمِنِين القَاسِم بن عُبَيْد الله في هذا الوَقْت وأحمدَهُ فيما كان مِن تَدْبِيره في أمْر هذا الفَتْحِ، وخلَعَ عليه خلَعًا شرَّفَهُ بها، وقلَّده سَيْفًا، ولقَّبَهُ بوليّ الدَّولَة، وانْصَرَفَ إلى منْزِله بالرَّقَّةِ.