تخلَّفُوا معهُ إلى مَدِينَة السَّلام، فوَافَى بَغْدَاد إلى الباب المَعْرُوف بباب الأنْبَار لَيْلَة الخَمِيْس لإحْدَى عَشرة لَيْلَة خَلَتْ من شَهْر رَبِيع الأوَّل، وكان أمَرَ القُوَّاد جَمِيعًا بتَلَقِّي مُحَمَّد بن سُلَيمان والدُّخُول معهُ إلى بَغْدَاد، ففعَلُوا ذلك، ودَخَلَ مُحَمَّد بن سُلَيمان صَبِيْحَة يَوْم الخَمْيِس، وبينَ يَدَيْهِ نيف وسَبْعُون أسِيْرًا غير مَنْ أسْمَيْنا، والقُوَّاد معهُ، حتَّى صَارُوا إلى دار أَمِير المُؤمِنِين بالثُّرَيَّا، فدَخَلُوا عليه، وأمَرَ أنْ يُخْلعَ على مُحَمَّد بن سُلَيمان، ويُطَوَّق بطَوْق ذَهَب، ويُسَوَّر بسِوَارَين، وخُلِع على جميعِ القُوَّاد القادمين معهُ، وطُوِّقُوا وسُوِّرُوا وانْصَرَفُوا إلى منازلهم، وأَدْخِل الأسْرى إلى الحَبْس الجديد (٤) بمَدِيْنَة السَّلام في الجانب الغَرْبيّ منها.
فلمَّا كان في يَوْم السَّبْت لعَشْرٍ بَقِينَ من شهر رَبِيع الأوَّل بُنِيَتْ دَكَّة في المُصَلَّى العَتِيق من الجانب الشَّرْقيّ الّذي تخرج إليه الثَّلاثُ الأبْوَاب ومن باب خُرَاسَان، تَكْسير ذَرْعها عشرون ذِرَاعًا في عشرين ذِرَاعًا، وجُعِلَ لها أرْبَع دَرَج يُصْعَدُ منها إليها، وأمَرَ القُوَّاد جَمِيعًا بحضُور هذه الدَّكَّة، ونُودِي بذلك في النَّاس أنْ يَحْضُروا عَذَاب القَرَامِطَةِ، ففَعَلُوا، وكَثُرَ النَّاسُ في هذا المَوضِع، وحضَر القُوَّاد والوَاثِقيّ المُتَقَلِّدَ للشُّرْطَة بمَدِينَة السَّلام، وحضَر مُحَمَّد بن سُلَيمان، فقعَدُوا جَمِيعًا عليها، وأحْضَروها ثلاثمائة ونيفًا وعشرين إنْسَانًا ممَّن كان أُسِرَ قَديْمًا، ومَنْ جاءَ بهِ مُحَمَّد بن سُلَيمان، وأُحْضِر القِرْمِطِيّ والمُدَّثِّر فأُقْعِدا، وقُدِّم نيفٌ وثَلاثُونَ إنْسَانًا من هؤلاء الأُسَارَى من وُجُوههم، فقُطِعَتْ أيْدِيهم وأرْجُلهم، وضُربت أعْنَاقهُم، ثمّ قُدِّم القِرْمِطِيّ فضُرب مائتي سَوْط، ورُشَّ على الضَّرْب الزَّيْت المُغْلَى، وكُوِي بالجَمْر، ثمّ قُطِعَتْ يَداه ورِجْلَاهُ، وضُربَتْ عُنقُه. فلمَّا قُتِلَ، انْصَرفَ القُوَّاد وأكْثَر النَّاسِ ممَّن حضَر للنَّظَر إلى عَذَاب القِرْمِطِيّ، وأقام الوَاثِقيُّ إلى وَقْت العِشَاءَ الآخرة في جَمَاعَةٍ من أصْحَابهِ حتَّى ضرب أعْنَاق باقي الأُسَارَى، ثمّ انصَرَف.