للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الدُّنْيا يُحبّك اللهُ، ثمّ أنْشأ وهو يَقُول: [من مجزوء الرمل]

أنتَ في دَارِ شتَاتٍ … فتأهَّبْ لشَتَاتِكْ

واجْعَلِ الدُّنْيا كيَوْمٍ … صُمْتهُ عن شَهَوَاتِكْ

واجْعلِ الفِطْر إذا ما … صُمْتَهُ يَوْمَ مَمَاتِكْ

قال ابنُ خُرَّزَاد: فقلتُ لعليّ: هذه مَوْعِظَةُ الحلبي لكَ، فعِظْنِي. فقال لي: احْفَظْ وَقْتكَ، واسْخُ بنَفْسك للّه تعالَى، وانْزَعْ قِيْمَة الأشْيَاء عن قلبك يَصْفُو لذلك سِرُّكَ، وَيزكُو بذلك ذِكْرُكَ، ثمّ أنْشدَني: [من الطويل]

حَيَاتُكَ أَنْفاسٌ تُعَدُّ فكُلمّا … مَضَى نَفَسٌ منها انتقَصْتَ بهِ جُزْءَا

فتصْبحُ في نقصٍ وتمسِي بمثْلِهِ … وما لكَ معْقُول تُحِسُّ به رُزْءَا

تَمَسَّكْ بما يُحْييكَ في كُلِّ سَاعَةٍ … ويَحْدُوكَ حادٍ ما يريدُ بك الهُزْءَا

قال أبو مُحَمَّد: قلتُ لأحْمد: هذه مَوْعِظَةُ عليّ لكَ، فعِظْنِي. فقال لي: يا أخي، عليكَ بلُزُوم الطَّاعَة، وإيَّاكَ أنْ تَبرح من باب القَنَاعَة، وأَصلحْ مَثْوَاك، ولا تُؤثر هَوَاك، واتبع آخِرَتَك بدُنْياكَ، واشْتَغل بما يَعْنِيك بترك ما لا يَعْنِيك، ثمّ أنْشدَني: [من الطويل]

نَدمْتُ على ما كان منِّي نَدامةً … ومَنْ يتَّبِعْ ما تشتهي النَّفْسُ يندَم

فخافُوا لكَيْما تأمَنُوا بعْدَ مَوْتِكم … ستلقَونَ ربًّا عَادِلًا ليسَ يَظْلمُ (a)

فليسَ لمغرُورٍ بدُنْياهُ زاجرٌ … سَتَنْدَمُ إنْ زلَّتْ بكَ النَّعْل فاعْلمِ

قال القَاضِي أبو مُحَمَّد بن رَامين (b): قلتُ لأبي مُحمَّد: هذه مَوْعِظَةُ أحْمَد لك، فعِظْنِي أنت. فقال: اعْلَم - رحمَكَ اللّهُ - أنَّ اللّه جَلَّ ثناؤهُ ينزل العَبِيْد حيث نزلَتْ


(a) في هذا البيت إقواء.
(b) لأصل: رامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>