للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلُوبُهم نحوها، فانظُر أين أنزلْتَ قلبكَ، واعْلَم أنَّهُ يُقرِّب القُلُوب على حَسب ما قرب إليها، فانظُر من القَريب من قلبك، وأنشَدَني: [من الطويل]

قُلُوبُ رِجَالٍ في الحجابِ تَزولُ … وأرْوَاحُهُم فيما هُناك حُلُولُ

بروحَ نَعِيْمِ الأُنس في عِزِّ قرْبهِ … بإيْرَادِ تَوْحيِدِ المَليك تَجُولُ

لهم بفناِء القُرْب من محْضِ برِّهِ … عَوَائدُ بَذلٍ خَطْبُهنَّ جَلِيْلُ

قال أبو بَكْر الخطيبُ: فقُلت للقَاضي أبي مُحمَّد بن رَاميْن: هذه مَوْعِظَةُ الحُميدِيّ لكَ، فعِظْنِي. فقال: اتَّق اللّه، وثقْ به، ولا تَتَّهِمَهُ فإنَّ اخْتِيَاره لكَ خير من اخْتيارك لنَفْسِك، وأنشدَني: [من مجزوء الخفيف]

اتَّخِذ (a) اللّهَ صَاحِبًا … وذَرِ النَّاسَ جَانبِا

جرِّب النّاسَ كيفَ شِئْـ … تَ تَجِدْهم عَقَارِبَا

قال أبو الفَرَج غَيْثٌ الصوْرِيّ: قلت للشَّيْخ أبي بَكْر: هذه مَوْعظَة القَاضِي أبي مُحمَّد لكَ، فعِظْنِي أنتَ. فقال: احذَرْ نفسَك، الّتي هي أعْدَى أَعْدَائكَ، أنْ تُتَابِعَها على هَوَاهَا، فذلك أعْضَل دَائكَ، واستَشْعر الخوفَ من اللّه بخلافها، وكرِّر على قلبك ذِكْر نُعُوتها وأوْصَافها، فإنَّها الأمَّارةُ بالسُّوءِ والفَحْشَاءِ، والمُوْرِدَةُ مَنْ أطَاعَها مَوَارد العَطَب والبَلَاء، واعْتَد في جميعِ أُمُورك أنْ تحرَّى الصِّدْقَ، ولا تتَّبع الهَوَى فيُضِلّك عن سَبِيْل اللّه، وقد ضمَنَ اللّهُ تعالَى لمَن خَالف هَوَاهُ، أنْ يَجْعَلَ دَارَ الخلد قَرارَهُ ومَأْوَاهُ، وأنْشَدَني لنفسِهِ: [من مجزوء البسيط]

إنْ كُنْت تَبْغي الرَّشَاد مَحْضًا … في أمرِ دُنْياكَ والمَعَادِ

فخالِفِ النَّفْسَ في هَوَاهَا … إنَّ الهَوَى جَامعُ الفَسَادِ


(a) كذا في الأصل، وفي البيت خَزْم، والأظهر: تَخِذِ اللّه ....

<<  <  ج: ص:  >  >>