للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني من شعْر زُهَيْر بن أبي سُلْمَى (١)، فأبْدَى اسْتِحْسَانًا لها، فقال له النَّامِيِّ المِصِّيْصيّ أبو العبَّاس أحْمَد بن مُحَمَّد الدَّارِيِّ: أراكَ كَلِفًا بها، أَفتُحبُّ أنْ أمْدَحكَ بخير منها؟ قال: نَعم، أشدّ الحُبّ. فلمَّا كان بعد أيَّامٍ لقيَهُ راكبًا على نهر حَلَب المُسَمَّى قُوَيْق، قال: فترّجَّل، ووقفَ عليه سَيْفُ الدَّوْلَة، وأخَذَ يُنْشد قَصِيدَةً في غاية الحُسْن، أوَّلُها (٢): [من البسيط]

ما أنْتَ منِّي ولا الطَّيْفُ الّذي طَرقا … رُدَّ الكَرَى واسْتَردَّ منِّيَ الأَرَقَا

فأرادَ سَيْفُ الدَّوْلَة كيَادَهُ والعَبَثَ بهِ، فأعرضَ عنهُ، وأظْهَر اسْتنقاصًا لشِعْره، فقَطع الإنْشَادَ في وسَط القَصِيدَة، ورَكِبَ ومَضَى - وسَيْفُ الدَّوْلَة يَراهُ - إلى شَاطِئ النَّهْر، فخَرقَها، وغَسَلَها، فاحْتَمَلَهُ سَيْفُ الدَّوْلَة، ولم يُنْكر ما كان منهُ، ودَرَسَتْ آثارُ هذه القَصِيدَة فليسَ تُوْجَدُ في دِيْوَانهِ.

أخْبَرَنا أبو حَفْص عُمَر بن مُحَمَّد بن طَبَرْزَد المُؤدِّب، إذْنًا ومُكاتَبَةً، عن أبي غالِب بن البَنَّاء، قال: أنْبَأنَا أبو غَالِب بن بِشْرَان، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عليّ بن نَصْر الكَاتِب، قال: وحَدَّثَني أبو القَاسِمِ عليّ بن مُحَمَّد المُنَجِّم الرَّقِّيّ، قال: كان جميعُ أصْحَاب سَيْف الدَّوْلَةِ يَغْتَاظُونَ من المُتَنَبِّي، ويَتَعَصَّبونَ عليه للنَّامِيِّ، فلمَّا عَمِل في وَقْعَة بني كِلِاب القَصِيدَةَ الرَّائِيَّة الّتي أوَّلُها (٣): [من الوافر]

طِوَالُ قنًا تُطَاعِنُها قِصَارُ

فعَمِل النَّامِيِّ قَصِيدَةً أوَّلُها (٤): [من الطويل]


(١) ديوان زهير بن أبي سلمى ٣٩، وعجز البيت: وعُلّقَ القلبُ من أسماء ما علقا.
(٢) لم ترد في ديوان النامي.
(٣) ديوان المتنبي بشرح العكبري ٢: ١٠٠، وعجزه: وقَطْرُكَ في نَدى وَوَغى بِحارُ.
(٤) لم ترد في مجموع شعره.

<<  <  ج: ص:  >  >>