للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ قال لمَّا رَأى الدُّنْيا تَمِيْد بهم … بعد الهُدُوّ وعَاد الحَبْلُ مُضْطَرِبَا

إنِّي أرَى فتْنَةً تغْلي مَرَاجلُها … والمُلْك بَعْدَ أبي لَيْلَى لمَنْ غَلَبَا

فلما قرأ ابن المُوَفَّق كتاب الوَاسِطِيّ قال لابن كُنْدَاج وابن أبي السَّاج: ما قُعُودكُم؟ وضَرَبَ طَبْلَهُ، وسَارَ، وسَارُوا معه حتَّى كَبَسُهم في شَيْزَر، وقَتَلَ منهم مَقْتَلَة عَظِيمَة.

وكان ابن الوَاسِطِيّ بالرَّمْلَة يقطَع الطَّريق فيما بين ابن أَبَّا (١) وسَعْد الأعْسَر، وهمُا بدِمَشْق، فسَار أحْمَد بن المُوَفّق إلى دِمَشْق وكَبَسَها على غِرَّة، فانهزَما إلى الكسْوَة، وقُتِلَ مَنْ بَقي من أصْحَابهما. ثُمَّ إنَّهم اجْتَمعوا وقصَدُوا ابن الوَاسِطِيّ فهزَمُوه، وأخَذَ على طريق السَّاحِلِ حتَّى لَحِقَ بأحمد بن المُوَفَّق، ودخَل المِصْرِيُّونَ إلى الرَّمْلَة، فنَهَبُوا دارَ الوَاسِطِيّ وخَزَائنهُ.

ثمّ ذكَرَ وُصُول أحْمَد بن المُوَفَّق، وأنَّهُ لمَّا أبْصَرَ عَسْكَر أبي الجَيْش هَالَهُ وأكْبَرَهُ، وصَغُرَ جَيْشُه في عَيْنه، فشَجَّعَهُ الوَاسِطِيُّ وضَمن له النُّصْرَة عليهِ، وقال له: لا يَغُرّكَ هذا؛ فأكْثرهُم عَامَّة: بقَّالٌ وحَائِكٌ وفَاعِلٌ، فثِقْ بالنَّصْر ولا تَجْزَع، إلى أنْ الْتَقَى العَسْكَران وكانت النَّصْرَةُ على أحْمَد بن المُوَفَّق، فركبا دَوَابَّ الهَزَائم، ومَرَّ كُلّ واحدٍ منهما على حدَةٍ، فأمَّا ابن المُوَفَّق فلم يرُدّ وَجْهَهُ عن دِمَشْق شيءٌ، فلم يفتَح له أهْلُها بابها ومنعُوه من الدُّخُول، فمرَّ على طَيَّتِه إلى طَرَسُوس، وأمَّا ابنُ الوَاسِطِيّ فأضَرَّ به الهَرَبُ إلى أنْطَاكِيَة، فأقامَ بها مُدَيْدةً، وماتَ كَمَدًا.


(١) هو محمد بن أبَّا التركيّ، توفي سنة ٢٨٥ هـ. الكندي: قضاة مصر ٢٤٣، ٢٤٦، ٢٥١، الكندي: ولاة مصر ٢٦٦، ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>