للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْرُوفًا بكَثْرة الأكْلِ والشُّرْب والنِّكَاح، وتزوَّجَ ببنَات مُلُوك الأطْرَاف، وكانَ يجمْعُ في مَجْلِس لذَّته من الأوَاني ما تزيْدُ قيمَتُه على مئتي ألف دِيْنار، وكان يُصَدِّق (a) بالصَّدَقَات الكَثِيْرة، ووَقَعَ وباءٌ في بلادِهِ (b)، وكفَّن في سنةٍ واحدةٍ أرْبَعَة عَشَر ألْف إنْسَان، وكان لأهْل الدِّين والعِلْم عندَهُ مِقْدَارٌ عَظيم، والْتَمَسَ مائة ألف دِيْنار يَصْرفُها في بعض حُروبه، فأحضَرَ له وَزِيْرُه تَوْزيعًا على أرْبَابِ الأمْوَال بها، فقال: لو أرَدْتُ أمْوَالَ النَّاس لعَوَّلتُ على صَاحب الشُّرَط! وإنَّما أريدُ ذلك من أمْوَال المُتَاجرَة، فأتاهُ تاجرٌ بألف دِيْنار، وقال: أَسألُك يا مَوْلَانا قَبُولَها في هذا البِيْكَار (١)، فإنَّني اكْتَسَبْتُ أمْثَالها في بعض الأيَّام. فقال: خُذْها ولا حَاجَةَ لي فيها.

وأمَرَ أنْ يُتَصَدَّق من خِزَانَتهِ بألف دِيْنارٍ شُكْرًا للّه تعالَى على عِمارَة بَلَده. وكان بآمِد في أيَّامهِ أرْبَع عَشْرَة دارًا للمُرَابِطين، وعَشرة آلاف رَجُل من المُجَاهِدين، وسِلَاح عظيم، وذلك في وِزَارَة فَخْر الدَّوْلَة أبي نَصْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جَهِير لابن مَرْوَان.

وتُوفِّيَ في شَوَّال سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين وأرْبَعِمائة، وعُمره ستٌّ وسَبْعُون سنةً وثمانية أشْهُر، وإمارَتُه ثلاثٌ وخَمْسُونَ سنَة تنقُصُ شَهْرًا واحدًا، ووَلي بعدَهُ ابنه نِظَام الدِّين أبو القَاسِم نَصْر.

ورُوِي له شِعْرٌ قرأتُه في مَجْمُوعٍ لابن نُوَيْن المَعَرِّيّ، قال: للمَلِك ابن مَرْوَان مَالكِ دِيَار بَكْرٍ: [من الكامل]

يا وَيْح بَيْتٍ ما لَهُ أصْحَابُ … بَيْتٌ يُدَبِّرُهُ نَجَا وشَرَابُ

فشَرَابُ إنْ ظَفِرَتْ بشيءٍ لَبْوَةٌ … ونَجَا لِمَا تَحْوي يَدَاهُ عُقَابُ


(a) قطع تاريخية: يتصدق.
(b) قطع تاريخية: في ديار بكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>