للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قِيْمَتُه ثلاثمائةَ وسَبْعُونَ ألْف دِيْنار - شَكَّ الوَزِير في ذاكَ - وقال: إذا أخذت هذا القَدْرَ منهم لم تُجْحف بأمْوالهم، وكان كُلٌّ منهم مُرتَّبًا في خدمَته ومَرْكزه وولايته، وتكون قد تَقَضَّيْتَ (a) من أمْوَالك الّتي احْتَجَنُوها ما جعَلْتَهُ لك خِزَانَةً وعُدَّة. فقُلتُ لَهُ: يا هذا، إنَّما نَصَبْتُكَ وَزِيرًا لتُعْطِيني وتُعْطي أصْحَابي بعِمارَة بلادي وتَوْفير أمْوَالي، فأمَّا مُصَادَرَةُ أصْحَابي فلو أرَدْتُّ هذا لأخَذْتُ أنا أضْعَافه وكفاني فيك مَرْدَكُ، صَاحبي؛ هذا الّذي هو أهْوَنُ وأدْوَنُ مَنْ يَخْدمُني، ولم أكُن مُحْتاجًا فيه إلى مثلك.

فقال لي: إذا كان هذا رأيُكَ، فاحْرسْنِي من أصْحَابك ولا تُطْلعْهُم على ما قُلْتُه في مَعْناهُم فَيفْسُد ما بيني وبينهم، فقُلتُ: أفْعَل. وتَرَكني مُدَيْدةً قريبةً، وقال لي: قد جَرَى في الجَزِيْرَة خلْفٌ بين الضَّامنِ لها وبين فُلَان، وتَفاقَم الأمرُ فيه إلى أنْ احْتاج إلى مُشَارَفتي له وإصْلَاحه بنَفْسِي، فتأذن في الانْحِدَار إلى هناك فمُدَّة الغَيْبة عشْرون يَوْمًا، وأعُوْدُ وقد حَسَمْتُ مادَّةً رُبَّما طمحَتْ إلى حَدٍّ يَشْغَل قَلْبكَ. فعَلمْتُ أنَّهُ يُريدُ المُضِيَّ إلى المَوْصِل وقِرْوَاش بن المُقَلَّد، أمير بني عُقَيْل لمَّا لَمْ يرَ لشَرِّه عندي نَفَاذًا، ولا عليَّ نَفَاقًا، ولم يكُن يُحْسن غيره، فقُلتُ لهُ: افْعَل ما تَرَى.

وتَشَاغل بإصْلَاح أمْره للانْحِدَار، فجاءني مُوْسَك، خَالِي، وقال لي: عَرَفْتَ أنَّ أبا القَاسِم بن المَغْرِبيّ على الانْحِدَار إلى الجَزِيْرَة، وكذَبَ فإنَّهُ بنِيَّةِ المُضيّ إلى المَوْصِل؟ فقُلتُ: قد عَرفْتُ ذلك وعَلِمتُه، ودَعْهُ يمضِي إلى اللَّعْنَة! فما في مَقامهِ ها هُنا لكُم فَائِدَة - وكان مُوْسَك ممَّن سَعَى ابن المَغْرِبيِّ به، وأرادَ مُصَادرتَهُ، وأخْذَ المالِ منه - قال: وتَدَعهُ يَمْضي وقد أخَذَ أمْوَالَكَ وسَرَقَها وحصَّلها واحْتَجَنها، ولِمَ لا تَقْبض عليهِ وتأخُذ ما أخَذَ ثمّ تَصْرِفه إلى اللَّعْنَةِ وسُوءِ المُنْقَلَب؟ فضَحِكتُ


(a) مهملة في الأصل باستثناء حرف القاف، وفوقها "صـ"، والإعجام بما يوافق السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>