للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ مَرْوَان: فحين سَمِعْتُ قَوْله، اهْتَزَزتُ حتَّى لم أمْلك نَفْسِي، وتقَدَّمتُ بأخْذه وكَتْفِهِ ثمّ ضَرب رقَبَتهُ بين يَدي، فلم آكل حتَّى رأيْتُ رأسَه مُبرَّأً بينَ يَدَيْهِ بعدَ أنْ قلتُ له: قد واللّه شَهِدَت الحَجَلَتَان عليك عندَ مَنْ أقادَك بالرِّجْلِ وأخَذ له بحَقِّه منكَ.

قال: وحدثني - يعني الوَزِير فَخْر الدَّوْلَة - قال: كان لبعض الأكْرَادِ المُتَوَجِّهين (a) فَرَسٌ أُعطي به ألف دِيْنار، وجَعَلَها ابن مَرْوَان ألف ديْنارٍ وضَيْعَة، فلَم يَبَعْهُ ولا طَابَتْ نَفْسُه بمُفارقَته، ورَكبَ يَوْمًا ابن مَرْوَان إلى الصَّيْد فقيل له: أيُّها الأَمِيرُ، نَفَقَ البَارِحَة الفَرَسُ الفُلَانيّ، فاغْتَمَّ به وحَزن عليه، وأحْضَر صاحبَهُ إليه وعَزَّاهُ به لعَظيم ما كان عندَهُ منهُ، فوجَدَهُ لا يقْبَلُ العَزَاء، وعندَه من الأسَف على المال لا على الفَرَس ما غاظَهُ، فقال له: يا هذا، مالكَ وما فَرس حتَّى يلحقَكَ هذا الأمرُ العَظِيْمُ عليه، ولعلَّ اللّهَ تعالَى قد دَفعَ عنكَ ما هو أعْظَمُ من ذهَابِ ثَمنه منك، فقال: أهِيَ فَرَسٌ أيُّها الأَمِيرُ؟ هي ألف دِيْنار! فقال له: تأخُذُ ألفَ دِيْنارٍ وتَجْعَل ثَوَاب الفَرَس لي؟ فقال: نعم. فتَقَدَّم بإطْلَاقها لهُ، وحَضَرَني وتقَدَّمْتُ بتَسْليمها إليه وانْصَرفَ بها، فلم يُصْبح إلَّا أعْمَى يتَلَمَّسُ الحِيْطان. وجاءنا الخَبَرُ، فعَجِبَ الأَميرُ والنَّاس أجْمعُون ممَّا جرى في ذاكَ، ووقَع للأَميْر أنَّ اللّه تعالَى قد دفَعَ عنه بالأَلف دِيْنار ما نَزَل بمَنْ أخَذَها، وسُرَّ بذاك.

وقال: حَدَّثَني الوَزِير فَخْر الدَّوْلَة أبو نَصْر بن جَهِيْر، قال: حَدَّثَني نَصْرُ الدَّولَة أبو نَصْر بنُ مَرْوَان صاحب دِيَار بَكْر، عند خدمَتي لهُ، وقد جَرَى حديثُ أبي القَاسِم بن المَغْرِبيّ، قال: لمَّا خَدَمني عندَ مَجِيِّهِ من مِصْرَ وما جَرَى لهُ مع الحاكِم، جَاءَني يَوْمًا ومعه سُدْس كَاغَد (b)، فقال لي: قد أثْبَتُّ في هذا السُّدْس أسْماءَ أصْحَابك الذَّينَ قد أخَذُوا أمْوَالك وأخْلَوا خزانتكَ من مال يُعَدُّ فيها لحاجةٍ أو شِدَّةٍ


(a) كذا في الأصل وفوقها "صـ".
(b) الأصل: كاغدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>