للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللُّغَةَ والأدَبَ، وقال الشِّعْر. وقَدِمَ دِمَشْق فسَكَنها، وكان رَافضيًّا خَبِيْثًا، يَعْتقدُ مَذْهَب الإمامِيَّة. وكان هَجَّاءً خَبِيْث اللِّسَان، يكْثرُ الفُحْشَ في شِعْره، ويَسْتَعْمل فيهِ الألْفَاظ العَامِّيَّةَ، فلمَّا كَثُر الهَجْوُ منه سَجَنَهُ بُوْرِي بن طُغْتِكِين أمير دِمَشْق في السِّجْنِ مُدَّةً، وعزم على قَطْعِ لِسَانه، فاسْتَوْهِبَهُ يُوسُف بن فَيْروز الحاجِب جُرْمَهُ، فوهَبَهُ له، وأمَرَ بنَفْيهِ من دِمَشْق. فلمَّا ولي ابنه إسْمَاعِيْل بن بُوْرِي، عادَ إلى دِمَشْقَ، ثمّ تغَيَّر عليهِ إسْمَاعِيْل لشِيِءٍ بلغَهُ عنهُ فطَلَبَهُ، وأرادَ صَلْبَهُ، فهرَبَ واخْتَفى في مَسْجِد الوَزيِر أيَّامًا، ثمّ خرج عن دِمَشْق ولَحِقَ بالبِلاد الشَّماليَّةِ يَنْتَقلُ من حَمَاة إلى شَيْزَر، وإلى حَلَب، ثمّ قَدِمَ دمَشْق آخر قَدمةٍ في صُحْبَة المَلِك العادِلِ لمَّا حاصَرَ دِمَشْق الحَصْر الثَّاني، فلمَّا استَقَرًّا لصُّلْح دخَل البَلَدَ، ورجَع مع العَسْكَر إلى حَلَب فماتَ [بها] (a). رأيتُهُ غير مَرَّة ولم أسْمَعْ منهُ.

أخْبَرَني نَافِع بن أبي الفَرَج بن نَافِع الحَلَبِيّ، وكان أحَد غِلْمَان أبي الحُسَين بن مُنِير، أنَّ ابن مُنِير انْهَزَم من أتَابِك طُغْدِكِين (b) إلى بَغْدَاد، وهرَّبَهُ الحاجِب يُوسُف بن فَيْرُوز، وكان سَبَب ذلك أنَّهُ شبَّب في قَصِيدَةٍ له ببَعْضِ أقارب طُغْدِكِين، وكان صبيًّا أمْرَدَ، وهو حُسام الدِّين دُلَقُ في أَبق، والقَصِيدَةُ هي الّتي أوَّلُها (١): [من البسيط]

مَنْ ركَّبَ البَدْر في صَدْر الرُّدَيني

قال: وأرْكبه الحَاجِب يُوسُف على خَيْل البَرِيد فهَرَبَ إلى بَغْدَاد.

وحَكَي لي القَاضِي أبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَضِر قَاضي العَسْكَر، أنَّ سبَب طَلب صَاحب دِمَشْق ابن مُنِير واسْتتاره منه وخُرُوجه من دِمَشْق، أنَّ


(a) إضافة من تاريخ ابن عساكر، مصدر النقل.
(b) قيده في هذا الموضع وتاليه بالدال، وقد تقدم بالتاء، ويأتي فيما بعدُ على الوجهَيْن.

<<  <  ج: ص:  >  >>