للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَحَاسِنُ أبي الحُسَين بن مُنِير مُنيرة، وفَضَائِلُه كَثِيْرة، وذَكَرَهُ مَجْد العَرَب العَامِرِيّ (١) بأصْفَهَان، لمَّا سَألتُه عن شُعَرَاءِ الشَّام، فقال: ابن مُنِير، ذو خَاطِر مُنِير، وله شِعْرٌ جَيِّد لطيْف، لولا أنَّهُ يمْزُجُه بالهَجْو السَّخِيف. قال: وأنْشَدَني يَوْمًا قَصِيدَةً له، فما عَقَدْتُ خِنْصَري (a) إلَّا على هذا البيت (٢): [من الخفيف]

أنا حِزْبٌ والنَّاسُ والدَّهْر حِزْبُ … فمتَى أغْلِبُ الفَريقَين وَحْدِي

شِعْرهُ ككُنْيَته حَسَن، ونَظْمُه كلَقَبه مُهَذَّب، أرَقُّ من الماء الزُّلالِ، وأدَقُّ من السِّحْر الحَلَال، وأطْيَب من نَيل الأُمنيَّة، وأعذَبُ من الأمانِ من المَنيَّة، وقَع القَيْسَرَانِيّ في مُبارَاته ومُعَارضَته ومُجارَاِته في مِضْمارِ القَرِيْض ومُنَاقَضَته، فكأنَّهُما جَرِير العَصْر وفَرْزدَقهُ، وهما مَطلع النَّظْمِ ومَشْرِقُه، وَشَى بالشَّام عَرْفُهُمَا، وفَشَا (b) عُرْفُهَمَا، وكَثُر رِيَاشُهَمَا، وتَوَفَّر مَعَاشُهُما، وعاشَا في غِبْطَة، ورفْعَة وبَسْطَة. وكُنْتُ أنا بالعِرَاق أسْمَعُ أخْبَارهمُا، ثمّ اتَّفَق انْحِدَاري إلى وَاسِط سَنَة اثْنَتَيْن وخَمْسِين وخَمْسِمائَة، فانْحَدر بعضُ الوُعَّاظ الشَّامِيِّين إليها طَالِبًا (c) مُنْتجعًا جَدْوَى أعْيَانها، رَاغِبًا في إِحْسَانها، فسَألتُه عنهما، فأخْبرَ بغرُوب النَّجْمَيْن، وأفُوْل الفَرْقَدَين، في أقرَب مُدَّةٍ من سنَتَيْن.

قال (٣): واتَّفق انْتزاح ابن مُنِير من دِمَشْق بسَبَب خَوْفهِ من رَئيْسها ابن الصُّوْفيّ، ومقامُهُ بشَيْزَر عند بني مُنْقِذ.

قَرأتُ بخَطِّ مُؤيَّد الدَّوْلَة أبي المُظَفَّر أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ، في جُزءٍ كَتَبه لابن الزُّبَيْر بأسْماء جَمَاعَة من الشُّعَراء، سَألهُ عنهم ليُوْدع ذِكْرهم كتابه المَعرُوُف بجِنَان الجِنَان ورياض الأذْهَان، قال: ومنهم شَرَف الأُدَبَاء أبو الحُسَين أحْمَدُ بنُ مُنِير


(a) الأصل: خصري، وفي الخريدة: خنصري منها.
(b) الخريدة: ونشا.
(c) ليست في الخريدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>