للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُدَعُ الخُدود تَلوْحُ تحتَ صَفَائها … فخَذَارِهَا إنْ مَوَّهَتْ بحَيَائها

تلكَ الحبَائلُ للنُّفُوس وإنَّما … قَطْعُ الصَّوَارِم تحتَ رَوْنَق مائها

فقُلتُ لَهُ: هذا شِعْرٌ جَيِّد، وأنت لأهْل الفَضْل سَيِّدٌ، فاحْكم لنا كيف كان في الشِّعر، وهل كان قادرًا على المَعْنَى البِكْر؟ فقال: كان مِغْوَارًا على القَصَائِد يأخُذها، ويُعَوّل في الذَّبِّ عنها على ذَمِّهِ للنَّاقِد أو للجَاحِد.

قال (١): وسَمِعْتُ زَيْن الدِّين بن نَجَا الوَاعظ الدِّمَشقيّ يذكُرهُ ويُفَضِّلُه، ويُقَرِّظُه ويُبَجِّلُه، ويقول: ما كان أسْمَحَ بديهَتَهُ، وأوْضحَ طَريْقتَهُ، وأبْرَع (a) بَلاغَتَهُ، وأبْلَغَ براعتُهُ. ورأيتُهُ يَسْتَجِيْدُ نثرَهُ، ويَسْتَطيب ذِكرهُ، ويحفَظُ منه رَسَائِل مَطْبُوعة، ويتَّبعُ له في الإحْسان طَرائقَ مَتْبُوعَة، ويقول: كانت الجَمْهَرَة على حِفْظه، وجَمَّةُ المَعَاني تتَوارد من لَفْظه، ويَصفُ ترفُّعَه على القَيْسَرَانِيّ (b)، واسْتِنْكَافه من (c) الوُقُوعِ في مَرْعَي مُنَاقَضتِه (d).

ولقد كان مُقِيْمًا بدِمَشْق إلى أنْ أحْفَظ أكَابِرَها، وكدَّرَ بهَجْوه مَواردها ومَصَادرها، فآوَى إلى شَيْزَر، وأقام بها، ورُوْسِل مَرارًا بالعَوْد إلى دِمشْقَ، فضَربَ بالرَّدِّ وَجْهَ طلَبها، وكَتَب رَسَائِلَ في ذَمِّ أهْلها، وبيَّن عُذْرهُ في تَتَكُّبِ سُبلها.

واتَّصَل في آخر عُمْرِه بخِدْمَة نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي رَحِمَهُ اللهُ، ووَافَى إلى جِلَّق رَسُولًا من جَانبِه قبل اسْتيلائهِ عليها، وتَمَلُّكُه لها، وارْتَدى عنده من الوجَاهَة والكَرَامَة حُلَلَها.


(a) الخريدة: وأبدع.
(b) الخريدة: ابن القيسراني.
(c) الأصل: في، والمثبت عن الخريدة.
(d) عبارة الخريدة: واستنكافة من الوقوع في معارضته، والرتوع في مرعي فاقضته.

<<  <  ج: ص:  >  >>