للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَافيًا عليه ثِيَابٌ رَثَّةٌ إلى غاية، وسَمِعْتُ قارئًا يَقْرأ من فَوْق: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ} (١) الآية، ثمّ انْتَبَهْتُ مَرْعُوبًا.

حَكَي لي أبو طَالِب القَيِّم، وكان شَيْخًا مُسِنًّا عندنا بحَلَب، وكان أوَّلًا قَيِّمًا بالمَسْجِد الجامع بحَلبَ، ثمّ صار قَيِّمًا بمَدْرَسَة شَاذْبَخْت النُّوْرِيّ رَحِمَهُ اللهُ، والعُهْدَةُ عليهِ، قال: لمَّا ماتَ ابن مُنِير خَرَجنا جَمَاعَةٌ من الأَحْدَاث نتفرَّج بمَشهَد الجُفْ (a) فقال بَعْضُنا لبَعض: قد سَمعنا أنَّهُ لا يَمُوتُ مَنْ كان يَسُبُّ أبا بَكْر وعُمَر رَضِيَ اللهُ عنهُما إلَّا ويَمْسخه الله في قَبْره خِنْزِيْرًا، ولا نَشُكّ أنَّ ابن مُنِير كان يَسبُّهُما، وأجَمع رأيُنا على أنْ نَمْضِي إلى قَبْره تلك اللَّيْلة وننبُشَه لنُشَاهدَهُ، قال لي: فمضَينا جَمِيعًا، ونَبَشْنَا قَبْرَهُ، فوَجَدْنا صُوْرته صُوْرة خِنْزِيْر، ووَجْهه مُنْحرف عن القِبْلَة إلى جهة الشَّمَال، وكان معنا ضَوْءٌ، فأخْرَجْناهُ على شَفِير قبره ليُشَاهدَهُ النَّاس، ثمّ بدا لنا فأحْرَقناهُ، ووضَعْناهُ في القَبْر، وأعَدْنا التُّرابَ عليه، هذا مَعْنى ما حَكاهُ لي أبو طَالِب القَيِّمُ، واللهُ أعْلَمُ.

وقال شَيْخُنا بَدْر الدِّين يُونُس بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفَارِقِيّ بدِمَشْق: ماتَ ابن مُنِير سَنَة ثَلاثٍ وخَمْسِين وخَمْسِمائَة، وهذا وَهْم اشْتَبَه عليه ما قبل الَخْمسين بسَنَتَين بما بعدها بثلاثٍ والصَّحيح ما ذَكَرناهُ أوَّلًا أنَّ وَفاته كانتْ في سَنَة ثمانٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة.


(a) في الأصل: الحف، ويرد ذكره أيضًا فيما بعد: مسجد الجف (في ترجمة رفق بن عبد الله الخام في الجزء السابع)، والمثبت موافق لما في زبدة الحلب ١: ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>