للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْشَدَنا تَاجُ الدِّين أبو القَاسِم أحْمَدُ بن هِبَةِ الله بن سَعْدِ اللهِ الحَلَبِيّ النَّحْوِيّ لنَفْسِه يَمْدحُ المَلِك الظَّاهِر غَازِي بن يُوسُف بن أيُّوبَ (١): [من الطويل]

لقد سُمْتَ ما لا أسْتَطِيْعُ من الأمْرِ … رُوَيْدَكَ إنَّ اللَّوْمَ لي بالهَوَى يُغْرِي

فلو ذُقْتَ ما قَدْ ذُقْتُ من لذَّة الهَوَى … تَيَقَّنْتَ أنَّ العَذْلَ ضَرْبٌ من الهُجْرِ

سَقَاني الصِّبَى كأسَ الهَوَى ثُمَّ عَلَّني … وجَرَّعَني من حُلْوِه ومن المُرِّ

بنَفْسِي الَّتي أوْدَى هَوَاهَا بمُهْجَتي … وأصْبَحَ قَلْبي عندَها مُوْثَقَ الأسْرِ

إذا سُمْتُهَا تَعْجِيْلَ حُلْو وصَالِها … تُكَلِّفُني صَبْرًا أمرّ من الصَّبْرِ

وتَرْنُو بطَرْف كُلّما طَرَفَتْ بهِ … تُقَلِّبُ قَلْبي في ذَكيٍّ من الجَمْرِ

فتَحْسبُ هَارُوتًا ومارُوتَ إذْ رَنَتْ … لدَى الرَّأي في ألْبَابِنَا نافثَي سِحْر

لقَدْ مَنَعَتْ يَقْظَى لذيذَ وصَالِها … وفي النَّوْم حتَّى صَدَّتِ الطَّيْفَ أنْ يَسْري

ولو أنَّها تَسْطِيع بُخلًا بذِكْرها … لصَدَّتْهُ أنْ يَجْري ويَخْطُرَ في فِكْري

عِدِيهِ (a) وِصَالًا منْكِ يَشْفِيهِ أَنَّهُ … أضَرَّ بهِ الهِجْرانُ يا ضَرَّةَ البَدْرِ

جَوَانحُه تَأْتَجُّ نارًا من الأَسَى … وأجْفَانُه قَرْحَى وأدْمُعُهُ تَجْري

لكَ اللهُ من قَدٍّ رَشِيْقٍ وطَلْعَةٍ … لقد أزْرَيا بالبَدْر والغُصُنِ النَّضْرِ

تُعَطِّرُ نادِي الحَيّ إذ خَطَرَتْ بهِ … ولَمْ تُمْسِسِ (b) الأرْدَان شَيئًا من العِطْرِ

ولم أَنْسَهَا يَوْم الوَدَاعِ وقد سَبَتْ … فُؤادي وغالَتْ ما ادَّخَرْتُ من الصَّبْرِ

بدُرَّين مَنْثُورَين لفْظٍ وأدْمُعٍ … ودُرَّين مَنْظُومَين في الفَمِ والنَّحْرِ

لأَزمَعَ لمَّا أنْ رحَلتِ ترحُّلًا … رُقَادِي عن عَيْني وقَلْبي عن صَدْري

قِفي زَوِّديني نَظْرةً منْكِ علَّني … أعيْشُ بها يا عَزُّ واغْتَنمِي أجْري

ولا تجْمَعي هَجْرًا وبَيْنًا فلم أكُن … لأقْوَى على بَيْن الأحِبَّةِ والهَجْرِ


(a) ابن الشعار: عليه.
(b) ابن الشعار: ولم تمس.

<<  <  ج: ص:  >  >>