وَلِيَ القَضَاءَ بحَلَب وأعْمَالها في سَنَة خمْسٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة في دَوْلَة المَلِك الصَّالِح إسْمَاعِيْل بن مَحْمُود بن زَنْكِي، ومِن بعدَه في دَوْلة عِزّ الدِّين مَسْعُود بن مَوْدُود، ودَولة عِمَاد الدِّين زَنْكِي بن مَوْدُود، وصَدْرًا من دَوْلَة المَلِك النَّاصِر صَلاح الدِّين يُوسُف بن أَيُّوبَ، فانْتَقَلت المناصب الدِّيْنِيَّة بحُكْم المَذْهَب من الحَنَفِيَّة إلى الشَّافِعيَّة، فعُزل والدي عن القَضَاءِ في سَنَة ثَمانٍ وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، ووليه القَاضِي مُحْيِي الدِّين مُحَمَّد بن عليّ قاضي دِمَشْق.
وكان عَمِّي أبو غَانِم إذ ذاك مُجَاوِرًا بمَكَّة، حَرَسَها اللهُ، فحَجَّ وَالدِي تلك السَّنَة، واجْتَمع به بمَكَّة، وعادا إلى حَلَب.
وكان والدي قبل ولايته القَضَاءَ قد ولي الخَطَابَة بقَلْعَة حَلَب في أيَّام نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي، وخَطَب بالمَسْجِد الجامع بحَلَب في أيَّام ولده المَلِك الصَّالِح إسْمَاعِيْل نيابةً عن أخيهِ أبي غَانِم، وولي أيضًا قبل ولايته القَضَاء في أيَّام المَلِك الصَّالِح خِزَانَة بَيْت المَال.
وكان رَحِمَهُ اللهُ حَسَن السِّيْرَة في أحْكَامِه، جَاريًا فيها على أحْسَن قَانُون، مُتَحرِّيًا في قضَايَاهُ، مُقِيْمًا لنَامُوس الشَّريْعَة المُطَهَّرة.
وكان رَحِمَهُ اللهُ يقُول لي: يا بُنَي، واللهِ ما أُوْثرُ لك أنْ تَتَولَّى القَضَاء، فإنْ عُرِضَ عليك لا تَتَوَلَّهُ، فإنَّني ما اسْتَرحتُ منذُ وُليتُه حتَّى تركتُه، ولكنِّي أُوْثر لك أنْ تكُون مُدَرِّسًا، وأنْ تَتَولَّى مَدْرسَة الحَلاوِيِّين، فقدَّر الله تعالَى أنْ وَفَّقَني لِمَا كان يُؤثره لي بعد وَفاته.
وكان رَحِمَهُ اللهُ قد سَمِعَ أباهُ القَاضِي أبا الفَضْل هِبَة الله بن مُحَمَّد بن أبي جَرَادَة، وأبا المُظَفَّر سَعيد بن سَهْل بن مُحَمَّد الفَلَكِيّ وَزِير خُوارَزْم، والشَّيْخ أبا زَكَرِيَّاء يَحْيَى بن