للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُصَلِّي، وقال: أعطوني سُبْحَة الشَّيْخ أبي الحَسَن - يعني الفَاسِيّ - وكان من أوْلياءِ الله تعالى وكبار الزُّهَّاد. ثمّ إنَّهُ طَلَبني، وكنتُ في ناحيَةِ الدَّار، فَحضَرتُ إليه، فالتفَتَ فرآني واسْتَدْعاني إليه، ثمّ قَبَّل فمي، فوجَدْتُ شفَتيه قد بَرَدَتا، فعَلِمتُ أنَّهُ في النَّزْع، ولمَّا احْتُضر جعلْتُ أنا وعَمِّي أبو غَانِم نُلقِّنه الشَّهَادَةَ وهو يتشهَّد مَعَنا، وقرأنا سُوْرة الإخْلَاص فجعلَ يَقْرأها مَعنا إلى أنْ مات، وعَرق جَبيْنُه عَرقًا باردًا طَيِّب الرَّائِحَة، ودمعَتْ عَيْنُهُ، وظَهَر له من أمارات الخير عند مَوْته - ولله الحَمْد - ما طَيَّب القُلُوب لفَقْده.

وكان قد سَألَ في اللَّيْلة الّتي تُوفِّي فيها: ما هذه اللَّيْلة؟ فقيل له: لَيْلَة الجُمُعَة، فقال: غَدًا أُفَارقَكُمُ، فماتَ في تلك اللَّيْلة، ودُفِنَ يَوْم الجُمُعَة.

ومن عَجَائِب ما اتَّفق أنَّهُ كان يَجْتَهد في تَزْويجي ويَحثُّني عليه، ويقول: أشْتَهي أنْ أرَى لأبي القَاسِم ولدًا يَمْشي بين يَدَيّ، فاتَّفقَ أنْ زوَّجني، فوُلد لي ولدي أحْمَد الّذي قدَّمْتُ ذِكْره (١)، فسَمَّاهُ والدي باسْمِه، وتكمَّل له من العُمر سَنَة، ومَرض والدِي، فلمَّا كان يَوْم الخَمِيْس الّذي أعْقَبه لَيْلَة الجُمُعَة الّتي تُوفِّي فيها، جئتُ إلى جَنب الدَّار، فرأيتُ أحْمَد وهو يَمْشيِ خطوات أوَّل مَشْيه وله سَنَة وشَهْر، فحملتُه وجئتُ إلى وَالدِي وقلتُ له: يا موْلاي، هذا أحْمَدُ قد مَشَى، فنظَر إليهِ وهو على جَنْبهِ، فاسْتَدْعاهُ إليهِ، فَمَشَى إليهِ من باب المَجْلِس إلى صَدْره، فأخَذَهُ وقبَّل وَجْهَهُ، ودمَعَتْ عَيْنُه، وتُوفِّيَ تلك اللَّيْلة، وقد أدْرَك ما تَمَنَّاهُ رَحِمَهُ اللهُ.


(١) كان مولد ابنه أحمد في جمادى الأولى سنة ٦١٢ هـ، وأدرك آخر سنة من حياة جده أحمد (ت ٦١٣ هـ)، ولا يرد له ذكر في المصادر بخلاف إخوته وأخواته، ولعله الذي ذكره ابن شداد وسبط ابن الجوزي باسم: "أحمد ابن الصاحب كمال الدين بن العديم، وأنه توفي ببلاد الروم سنة ٦٣٨ هـ، فحمل ودفن في حلب". ابن شداد: الأعلاق الخطيرة ١/ ١: ٢٨١، سبط ابن العجمي: كنوز الذهب ١: ٣٥٨، وذكر ابن العديم في تذكرته ١٧٢ أن مولد ابنه أحمد في سنة ٦١٣ هـ، وهو مخالف لما أورده هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>