للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُمَيْد، عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال (١): لا عليكُم أنْ لا تُعْجَبُوا بأحَدٍ حتَّى تَنْظُروا بم يُخْتَم له، فإنَّ العَامِل يَعْمَلُ زمانًا من عُمُره أو بُرْهَةً من دَهْره بعمل صَالح لو مَات عليه لدَخَل الجَنَّة، ثمّ يَتَحَوَّل فيَعْمل عملًا سيئًا، وإِنَّ العامِل ليَعْمَلُ زَمانًا من عُمُره بعَمَل سَئ لو ماتَ عليهِ لدَخَل النَّار، ثمّ يتَحَوَّل فيَعْمل عَمَلًا صَالِحًا، فإذا أرادَ اللهُ بعَبْد خَيْرًا استعْمَلَهُ قبل مَوْتهِ، قالوا: يا رسولَ الله، وكيفَ يَسْتَعْملهُ قبل موْتهِ؟ قال: يُوَفِّقُه لعَمَل صَالح ثمّ يَقْبضُه عليه (a).

تُوفِّي وَالدِي، رَحمَهُ اللهُ، لَيْلَة الجُمُعَة لثَلاثٍ بَقِينَ من شَعْبان سَنَة ثلاث عَشرة وسِتّمائة بمَرض التَّرَاقي، وهو طُلُوْعٌ ظَهَر في ظَهْره بين كتفَيهِ على مُحاذَاةِ القَلْب، ويُقال له: الشَّقْفَة. ودُفِنَ يَوْم الجُمُعَة بعد الصَّلاة في التُّرْبَةِ المُخْتَصَّة بأهلنا بالقُرْبِ من مقام إبْراهيم عليه السَّلام.

وكان رَحِمَهُ اللهُ في مَرضهِ ذلك يَطْلبُ منِّي أنْ أقرأ له شيئًا في كتاب أدَب المَرِيْض والعَائد لأبي شُجاعٍ البِسْطَامِيِّ، ويَسْألني أنْ أُوردَ له أشياء وَرَدَت في الصَّبْر، وما يَنْبغِي للمَرِيْض أنْ يَقُولَهُ ويَدْعُو به ممَّا يَنْفَعُه لآخرته، وكان إذا قال له أحدٌ من الجَمَاعَة: أبْشِر بالعَافِيَة يقُول: والله إنِّي لا أكْرَهُ المَوْت، مَنْ أحَبَّ لقاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لقاءَهُ، وأوْصىَ بإخْرَاج شيءٍ من مَالهِ وافِر يُتَصَدّق به على الفُقَرَاء والمَسَاكِيْن، ولمَّا أحَسَّ بالمَوْت جَعَل يقول في تلك اللَّيْلة الّتي تُوفِّي فيها ما قاله النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم (٢): اللَّهُمَّ أعَنِّي على سَكَراتِ المَوْتِ. ثمّ اسْتَدْعَى بسوَاكٍ فاسْتَاكَ به، وسَمِعَه مَنْ كان يتولَّى تمريضَهُ من جَمَاعتنا وهو يَقُول: هذا ذو الكِفْل


(a) الصفحة بعده بياض في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>