للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرأتُ بخَطّ أبي عليّ المُحَسِّن بن عليّ بن مُحمد التَّنُوخِيّ، وأنْبَأنَا به أبو جَعْفَر أحْمَد بن الأزْهر بن السَّبَّاك، عن أبي بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد البَاقِي الأنْصَاريّ، عن أبي القَاسِم عليّ بن أبي عليّ عنه. قال: وأخْبَرَني - يعني أبا الحُسَين عَبْد الله بن سَلْمَان البَصِيْر - بإسْنَادٍ ذَكَر أنَّهُ غابَ عنهُ أنَّ البَلاذُرِيّ الشَّاعرُ كان يُنْفِقُ دَائمًا ولا يَجْتَدِي، ولا يَحْتَرف، فقيلَ له في ذلك، فقال: دَخَلْتُ مع الشُّعَراءَ يَوْمًا إلى المُسْتَعِين، فقال لنا: مَنْ كان قد قالَ فيَّ مثْلَ قَوْل البُحْتُرِيّ في عَمِّي المُتَوَكِّل (١): [من الكامل]

ولو أنَّ مُشْتَاقًا تكلَّفَ فَوْق (a) ما … في وُسْعِهِ لَمَشَى إليكَ المِنْبَرُ

وإلَّا فلا يُنْشدْني شيئًا، قال: فقُلنا: ما فينا مَنْ قال فيك مثل هذا، وانْصَرَفْنا، فلمَّا كان بعد أيَّام عُدْتُ إليه، فقُلتُ: يا أَمير المُؤمِنِين، قد قلتُ فيك أحْسَنَ ممَّا قال البُحْتُرِيُّ في عَمِّك، فقال: إنْ كانَ كذلك أَسْنَيْتُ جَائزَتَك، فهَاتِ، فقال (٢): [من الطويل]

ولو أنَّ بُرْدَ المُصْطَفَى إذْ حَوَيْتَهُ (b) … يَظُنُّ لظَنَّ البردُ أنَّكَ صَاحِبُهْ

وقال وقَدْ أُعْطيتَهُ فلَبِسْتَهُ … نَعَم، هذه أعْطَافُهُ ومَنَاكِبُهْ

فقال: أحْسَنْتَ، انْصَرف إلى مَنْزِلك، وانْتَظر رَسُولي، ففَعَلْتُ، فجاءَني رَسُولُه يُقْعَةٍ بخَطِّه فيها: قد أنْفَذْتُ إليكَ سَبْعَة آلاف دِيْنارٍ، وأنا أعْلَمُ أنَّك ستُجْفَى بَعْدي، وتُطَّرَح وتَجْتَدِي فلا يُجْدَى عليك، فاحْفَظْ هذه الدَّنَانِيْر عندَك، فإذا بلَغَتْ بكَ الحال إلى هذا فأنْفِق منها، ولا تتعَرَّض لأحدٍ ليَبْقَى ماءُ وَجْهكَ عليك، ولكَ عليَّ أنْ لا تَحْتاج ما عِشْتُ إلى شيءٍ من أمْر دُنْياكَ؛ كَبيرٍ ولا صَغِير، على حسب حُكْمك وشَهْوتكَ.


(a) الديوان: غير.
(b) فوات الوفيات والوافي بالوفيات: لبسته.

<<  <  ج: ص:  >  >>