للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَعِدَ الغَرْبُ وازْدَهَى الشَّرْقُ عُجْبًا … وابْتهاجًا بمُغْرِبِ ابن سَعِيْدِ

طَلَعَتْ شَمْسُهُ من الغَرْبِ تُجْلَى … فأقامَتْ قِيَامَةَ التَّفْنِيدِ (a)

لم يَدَعْ للمُؤَرخين مَقَالًا … لا ولا للرُّوَاةِ بَيْتَ نَشِيْدِ

إنْ تَلَاهُ على الحَمَامِ تَغَنَّتْ … ما عَلَى ذا في حُسْنِهِ من مَزِيْدِ

وأنْشَدَني أبو العبَّاس التِّيْفَاشِيّ لنَفْسِه فيه: [من البسيط]

يا طَيِّبَ الأصْلِ والفَرْع الزَّكيِّ كما … يَبْدو جَنَى ثَمَرٍ من أطْيَب الشَّجَرِ

ومَنْ خَلائقُهُ مثل النَّسِيمِ إذا … يَهْفُو على الزَّهْر حَوْل النَّهْرِ في السَّحَرِ

ومَنْ مُحَيَّاهُ - واللهُ الشَّهِيْدُ - إذا … يَبْدُو إلى بَصَرِي أبْهَى من القَمَرِ

أَثْقَلْتَ ظَهْرِي ببرٍّ لا أقومُ بهِ … لو كُنْتُ أتْلُوه قُرْآنًا مع السُّوَرِ

أهْدَيْتَ لي الغَرْبَ مَجْمُوعًا بعَالَمِهِ … في قَابِ قَوْسَيْنِ بين السَّمْع والبَصَرِ

كأنَّني الآن قد شَاهَدْتُ أجْمَعَهُ … بكُلِّ مَنْ فيه من بَدْوٍ ومن حَضَرِ

نَعَمْ، ولاقَيْتُ أهْلَ الفَضْل كُلَّهُمُ … في مُدَّتي هذه والأَعْصُرِ الأُخَرِ

إنْ كنتُ لم أَرَهُمْ في الصَّدْر من عُمُري … فقَدْ رَدَدْتَ عليَّ الصَّدْرَ من عُمري

وكُنْتَ لي واحدًا فيهِ جَمِيْعُهُمُ … ما يُعْجِزُ اللّهَ جَمْعُ الخَلْقِ في بَشَرِ

جُزِيْتَ أفْضَلَ ما يُجْزَى بهِ بَشَرٌ … مُفيْد عُمْر جَديْدِ الفَضْلِ مُبْتَكَرِ

بَلَغَني أنَّ أبا العبَّاس التِّيْفَاشِيّ نَزَل الماءُ إلى عَيْنَيهِ فعَمي، فقَدَحَهُما وأبْصَر، وكَتَب وعُوفي من ذلك، ثمّ شربَ مُسْهِلًا وأعْقَبَهُ بآخَرَ، فماتَ لذلك يَوْم السَّبْت ثالث عَشر مُحَرَّم سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وستِّمائة بالقَاهِرَة.


(a) نفح الطيب: التقييد.

<<  <  ج: ص:  >  >>