للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال لي: وكُنْتُ إذا اجْتَمَعْتُ بهِ، أو لَقِيْتُه، ألُوْمُه على ذلك، وأُعَنِّفُه، فيقول لي: يا قاضِي، إنَّ هؤلاء اللَّفِيْف الأخِسَّاء إذا جلَسْتُ معهم لا أَعْبَأُ بهم، ولا أتحفَّظُ منهم، وتَحْصُل لي الرَّاحَةُ بصِغَر أَقْدَارهم واطِّرَاحهم، وأنا فمُكبٌّ على النَّسْخ مَتَى جلسْتُ معهم، لا أُكَلّمهم ولا يكَلِّمونني، ولا يُكَلِّفوني شَطَطًا.

وقد ذَكَرَ قِصَّتَهُ معهم في قَصِيْدَته الرَّائيَّةِ الّتي نَظَمها بعد السِّتّمائة، وهي مَشْهُورةٌ، يُعَرِّضُ فيها بالمُبَاحِيَّة وغيرهم، أوَّلُها: [من الخفيف]

أَعَلَيَّ إنْ خلَعْتُ فيك العذارا … حسْبَةً أو لزمْتُ فيكَ الوَقَارا

وأعْرَضْتُ عن ذِكْر القَصِيدَة، وإنْ كانت من لَطِيْف الشِّعْر، لِمَا فيها من السُّخْف والخَلَاعَة، وذِكْر ما لا يَليق ذِكْره بأهْل العِلْم.

قال لي القَاضِي أبو مُحَمَّد: وبالجُمْلَة فقد كان عنده من القَنَاعَة وقِلَّة الطَّمَع فيما يرغَبُ النَّاسُ فيه جُمْلَةٌ كافِيَةٌ، صَانَتْ ماء وَجْههِ على فَقْره وفَاقَته، فإنَّهُ أكْثر أيَّامهِ كان يورِّق بالأُجْرَة، وكان أبوهُ وقَالهُ من الأمرَاءِ المَشْهُورين بالدِّيَار المِصْريَّة بفَضِيْلَتَي السَّيْف والقَلَم، إلَّا أنَّهُ مَحَا ذِكْرهم بما اشْتَهرَ عنه من هذه السِّيْرَة الذَّمِيْمة، وقُبْح القَالَةِ.

وأنْشَدَنا القَاضِي أبو مُحَمَّد عنه شَيئًا من شِعْر خاله، أنْشَدَهُ إيَّاهُ عنه، نَذْكره في تَرجَمَةِ خاله (١) إنْ شَاءَ اللهُ تعالَى.

ووُلد الإِدْرِيسِيّ هذا بالدِّيَار المِصْرِيّة سَنَة خمْسٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة، ونَقَلْتُ ذلك من خَطِّه عَفَا اللهُ عنهُ.


(١) خاله هو: يحيى بن سليمان بن علي الحسني، المحنك برهان الدين التلمساني، وضاعت ترجمته في الجزء الضام لها من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>