للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ثمّ سَافَر هذا الدَّعِيُّ إِدْرِيس إلى دِمَشْقَ في سَنَة اثنتَيْن وسِتِّين وخَمْسِمائَة، وكان بها إذ ذَاك خَالُهُ البُرْهَان التِّلمْسَانِيّ المُحَنَّك، ثمّ سَافر خالُهُ إلى الغَرْبِ، وسافَرَ هو إلى حِمْصَ في سَنَة ثمانٍ وستِّين وخَمْسِمائَة كما ذَكَره في خَطِّهِ.

وقد كان اسْتَعار شَيئًا من كتاب النَّسَب للزَّيْديّ المنعُوت بالنُّرْهَة (١)، وكَتَبَ منهُ ونَسَخَ فَمسَخَ، وصَار يتحَدَّثُ ويقُوِل، ويَزِيْدُ ويُنْقُص في الفُضُول، فتَنبه عليهِ أشرَافُ دِمَشْق وعلى كَذِبِه ومُحَالِهِ، وزيْفِه وانتِحَالِهِ، فجَرَتْ بينَهُ وبينهم مُحَاوَرَاتٌ، فخَرَجَ هَارِبًا منهم إلى حَلَبَ، وتَسَبَّبَ كُلَّ سَبَب إلى أنْ تَصَاهَر عندَ آلِ النَّاصِر الرَّسيِّيْنَ، واسْتَتَرتْ حَالُهُ، واكْتَتم عن كَثِيْر من النَّاسِ مُحالهُ. وكان قبل ذلك قد كَتَبَ إليَّ إلى مصْر من دِمَشْق كُرَّاسَةً بذِكْرِ ما يَدَّعيهِ، وشرْح أُمُوره بما لا يسمَعُه منه سَامعُ التَّحْقِيق ولا يَعِيْهِ، ولمَّا قَدَّر اللّهُ سُبْحَانه تَوجُّهي إلي حَلَب من (a) عَسْكَر السُّلْطان صَلاح الدِّين أبي المُظَفَّر يُوسُف بن أَيُّوب، بعد حُضُوري معهُ فتح عَسْقَلان، والقُدْسِ، واللَّاذقِيَّةِ، وصْهيُوِن، وجَبَلَة، وانطَرَسُوس، وغَزَاة طَرابُلُس، فكان وُصُولي إلى حَلَب في شهر رجبَ سَنَة أرْبَعٍ وثَمانين وخَمْسِمائَة، وكُنْتُ قد تقَدَّمتُ السُّلْطانَ عن إذْنِهِ وهو مُحَاصِر بُرْزَيْه عن وَجَعٍ أصَابَني وألَمٍ أنَابني، وكان النَّقيْب إذ ذاك بها الشَّريف أَمِيْن الدِّين أبا طَالِب أحْمَد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الحُسَيْنيّ الجعفَريّ الإسْحَاقِيّ، فلم أشْعُر به إلَّا وقد أتَاني مَاشِيًا إلى الباب الّذي يُعْرَفُ بباب أنْطَاكِيَة في ولدِه وحَفَدتِه، وبني أَخويهِ، وحَلَفَ بالأيْمان المُغَلَّظة لا كان نُزُولي إلَّا عليه، ووفُوْدِي إلَّا إليهِ،


(a) كذا جاء في الأصل، ولعل الأصح: مع.

<<  <  ج: ص:  >  >>