للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَصَى فيها فَتْح القَلْعِيّ على مَوْلاه مُرْتَضَى الدَّوْلَة بن لُؤْلُؤ، ثُمَّ سلَّمَها إلى نُوَّاب الحاكِم، فعَصَى فيها عَزيز الدَّوْلَة فَاتِك على الحاكِم، وقيل بالمرْكِز، وكان قَصْرُهُ - الّذي يُنْسَبُ إليه خَانَكاه القَصْر - مُتَّصِلًا بالقَلْعَة، والحَمَّام المَعْرُوفة بحَمَّام القَصْر إلى جانبه، فخُرِّب القَصْر بعد ذلك تَحْصينًا للقَلْعَة، وصار الخَنْدَق موضعه. ودخَلْتُ أنا هذه الحَمَّام وهي دَائِرَةٌ، فهدمَها المَلِكُ الظَّاهِر رَحِمَهُ الله، وجعلها مَطْبخًا له.

ولمَّا قُتِلَ عَزيز الدَّوْلَة، صار الظَّاهر ووَلده المُسْتَنْصِر يُوَلِّيان واليًا بالقَلْعَة، وواليًا بالمَدِينَة خوفًا أنْ يَجْري ما جَرى من عزيز الدَّوْلَة.

فلمَّا مَلَكَ بنو مِرْدَاس، سَكنُوا في القَلْعَة، وكذلك مَنْ جاءَ بَعْدَهم من المُلُوك، وحَصَّنُوها، لا سِيَّما المَلِك الظَّاهِر غَازِي؛ فإنَّه حَصَّنَها وحَسَّنَها، وابْتنى بها مصنعًا كبيرًا للماءِ، ومخازنَ للغَلَّةِ، ورفعَ باب القَلْعَة وكان قريبًا من المَدِينَة، ويُصْعدُ منه إلى بَاشُوْرَة (١)، هي مَوضِع باب القَلْعَة الآن، ولها سُور من مَوضِع الباب الآن، يَدُور في وَسطِ التَّلّ إلى المِنْشَار (٢) المُتَّصل بباب الأرْبَعِين.

وكان في البَاشُوْرَة مساكن لأجْنادِ القَلْعَة، ورأيْتُ في وسطِهِ بُرْجًا كبيرًا، مَبْنيًّا فوق طريق الماء من القَناة إلى السَّاتُورة الّتي للقَلْعَة، وكان على ذلك البُرْج اسم المَلِك الصَّالِح إسْمَاعِيْل بن نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي، فحرَّبَ المَلِك الظَّاهِر رَحِمَهُ الله تلك البَاشُوْرَة، وسَفَّحَ القَلْعَة من أسْفل الخَنْدَق إلى سُورها الأعْلَى،


(١) الباشورة: تلٌّ مرتفع يتخذ عند باب المدينة أو القلعة المباشرة القتال منه في أوقات الحصار والحرب، وعرفها ابن الشحنة بأنها "قطعة أرض ظاهر سور البلد يجعل عليها سور خاص يحول بينها وبين الخندق، يُخْرج منها إلى ظاهر البلد"، انظر: الدر المنتخب ٤٥، والمعجم الجامع في المصطلحات ٣٥.
(٢) المِنْشار: من أبراج قلعة حلب، ويصعد منه إلى القلعة، ويتصل هذا البرج أيضًا بباب الجبل الآتي ذكره فيما يلي. زبدة الحلب ٢: ٥٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>