وكان قد بَنى بعض السَّفح بالحَجَرِ الهِرَقْلِيّ (١)، وعَزم على تَسْفيحها بذلك الحَجَر، قالت المِنيَّةُ بينَهُ وبين أمَله، وصدَّه عن مُراده ما حَضرَ من أجَله، وكان قد وسَّعَ الخَنْدَق الّذي للقَلْعَة وعمَّقه، وبنى حائطه من جهة المَدِينَة، ورفعَ باب القَلْعَة إلى مكانه الآن، وعمل له هذا الجِسْر المُمْتَدِّ، فجاءَ في غاية الحُسْن والحَصَانة.
وعَمِل بابًا آخر؛ كان إذا ركبَ ينزلُ منه وَحْدُه ويصْعَدُ، ويُغْلق فلا يُفْتح إلَّا له، وهو بابُ الجَبَل الّذي هو إلى جانب دار العَدْلِ، وبَني المَلِكُ الظَّاهِر سُورًا على دار العَدْل، وفَتح له بابًا من جهة القِبْلَة تجاه باب العِرَاق، وبابًا من جهة الشَّرْق والشَّمَال على حافَة الخَنْدَق، كان يخرج منهما إذا رَكب.
وبنى دار العَدْلِ لجلُوسِهِ العامِّ فيها بين السُّورين: السُّور العَتِيق الّذي فيه الباب الصَّغير، وفيه الفَصِيل الّذي بناهُ نُور الدِّين، وبين السُّور الّذي جدَّدَهُ إلى جانب المَيْدَان.
واهْتَمَّ المَلِك الظَّاهِر أيضًا بتَحْريرِ خَنْدَق الرُّوم، وهو من قَلْعَة الشَّريف إلى الباب الّذي يخرج منه إلى المَقام، وبنَى ذلك الباب ولَم يُتِّمه، فتُمِّمَ في أيَّام ولده المَلِك العَزِيْز، رَحِمَهُ الله.
ثُمَّ يَستمرُّ خَنْدَق الرُّوم من ذلك المكان شَرقًا، ثُمَّ يعود شمالًا إلى الباب الّذي جُدِّد أيضًا في أيام المَلِك العَزِيْز لَصِيق المَيْدَان، ويُعْرفُ بباب النَّيْرَب، ثُمَّ يأخُذُ شمالًا إلى أنْ يَصل إلى باب القَناة الّذي يخرج منه إلى بَانَقُوسَا، وهو بابٌ قديم، ثُمَّ يأْخُذ غَرْبًا من شمالي الجُبَيْل (a) إلى أنْ يتَّصل بخَنْدَق المَدِينَة. وأمَرَ المَلِكُ
(a) الأصل: الحيل؛ مهملة باستثناء الياء، والمثبت من ك وابن شداد: الأعلاق الخطيرة ١/ ١: ٦٣.