للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أحد الأُمَرَاءَ الأصْفَهْسَلَارِيَّة، فعَظُم شَأنه، واسْتَفْحَل أمْرُه، وقويَتْ هَيْبَتُه، وانْتَشر ذِكْرهُ، ومكَّنه القَائِم من البِلَادِ، وكثُر منه العَيْثُ والفَسَاد، وآلَ أمْرهُ إلى العِصْيَان عليّ القَائِم، ونَهَب بَغْدَاد، وكان رأسَ الأتْرَاك بها، فخرَجَ عليه، وهوَّن أمْره بكُلِّ ما وَصَلت قُدْرتُه إليهِ، حتَّى كان يأخُذ الجَانِي من حَرَم الخلِيفَة، ولا يَلْحقه في سُوءِ فِعْله نَظَر في عاقبةٍ ولا خِيْفَة.

وقَرَأتُ في تاريخ أبي غَالِب هَمَّام بن [الفَضْل بن] (a) جَعْفَر بن المُهَذَّب المَعَرِّيّ (١) أنّهُ: كان إذا وصَلَتْ هَدِيَّة من خُرَاسَان وغيرها من البِلادِ اعْتَقلها شَهْرًا قبل أنْ يُطْلقَها، بسُؤالٍ وأشْيَاءٍ كَثِيْرة تَجْري هذا المَجْرى في حَقِّ الخلَيفَة فَعَلَها، فلمَّا زادَ الأمرُ على الخلِيفَة، بَعَثَ إلى طُغْرِلبِك مَلِك التُّرْكُمان والغُزّ، أبي (b) طَالِب مُحَمَّد بن مِيْكَال، وكان مُقيْمًا بالرَّيِّ وقد مَلَكَ من جَيْحُون إلى بَغْدَاد، وأذَلَّ المُلُوك من أوْلادِ مَحْمُود والتُّرْك وغيرهم، فوصَلَهُ الرَّسُول من الخَلِيفَة يأمرهُ بأنْ يَصِلَ إلى بَغْدَاد ليستَنْجدَ به على البَسَاسِيرِيّ أبي مَنْصُور، فأقْبل إليهِ طُغْرِلبِك في مائة ألفٍ وعشرين ألفًا من التُّرْك، والغُزِّ، والأعَاجِمٍ، والكُرْد، والدَّيْلَم، وغيرهم من الأجْنَاس، فوَصل بَغْدَاد وهَجَمَها، وقَتَل منها خَلْقَا عَظيْمًا، ونَهَبَها، وذلك أنَّهُم قاتَلُوه، وانْهَزَمَ البَسَاسِيرِيُّ منه فَحَصَلَ في أرض الرَّحْبَةِ، ولَقِيَهُ مُعِزُّ الدَّولَةِ - يعني ثِمَال بن صالح - وأكْرَمَهُ، وحَمَل إليهِ مَالًا عَظيْمًا، وكان قد وصَل في قِلّةٍ، فحدَّث مَنْ شَاهدَهُ من بنَي كِلَاب أنَّهُ لم يُرَ مثْلُهُ في الشَّجَاعَة والمَكْرِ والحِيْلَة، وكان إذا رَكِبَ مُعِزُّ الدَّولَة قَفَزَ إليهِ ليُمْسكَ له الرِّكَاب ويُصْلح ثِيَابَهُ في السَّرْج (٢)، وهمَّتْ


(a) ما بين الحاصرتين استكمال لاسمه كما ساقه ابن العديم في عشرات المواضع التي ذكره فيها.
(b) الأصل: أبو، وفوقها "صـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>