بنُو كِلَاب بأخْذِه فَمَنَعَها مُعِزُّ الدَّولَة، ونَدمَ بعد ذلك عليه، ثمّ إنَّهُ تقدَّم إلى أنْ حصَل على الفُرَات، وفَزع منه مُعِزّ الدَّولَة وكثُر عَسْكَره، فسلَّم إليهِ الرَّحْبَة لمَّا طَلَبها من مُعِزّ الدَّولَة، ليجعَل فيها مالَهُ وأهْلَهُ.
قُلتُ: وكان حصُوله على الفُرَات بأرْض بَالِس؛ فإنَّني قَرأتُ في بعض تَعَاليْق الشَّامِيِّيْن في التَّاريخ ما صُوْرته: ظُهُور البَسَاسِيرِيّ إلى الشَّام، ونُزُوله أرض بَالِس مُدَّة سَنَة وشَهْرين، سَنَة تِسْعٍ وأرْبَعين وأرْبَعِمائة. وقَرَأتُ في تَاريخَ هَمَّام بن المُهَذَّب في حَوَادِث سَنَة خسين وأرْبَعمائة: فيها اضْطَربَ الأمرُ في خُرَاسَان على طُغْرِلبِك، فسَار لإصْلَاحهِ، فجَمَع البَسَاسِيرِيُّ مَنْ قَدر عليهِ من الكُرْد والدَّيْلَم، واجْتَمَعَتْ إليهِ بنُو عُقَيْل، وكان عَلَمِ الدِّين قُرَيْش بن بَدْرَان زَعِيمها، وبَنو أَسَد زعيْمها نُوْر الدَّوْلَة دُبَيْس بن مزْيَد، وقصَد بَغْدَاد، وزحفَ معهم أهْلُ الجانب الغَرْبيّ من بَغْدَاد إلى دار الخلَيْفَة القَائِم بأمْرِ اللّه أَمِير المُؤمِنِين أبي جَعفر بن القَادِر، فنَهَبُوا جميعَ ما فيها، واسْتَدي الخلَيفَة من فَوْق القَصْر عَلَم الدِّين قُرَيش بن بَدْرَان، فجاءَهُ فَخَرَج إليهِ الخلَيفَة وهو مُبرقعٌ، وعليه بُرْدَةُ النَّبِيّ صَلَّى اللّهُ عليه وسلَّم، وفي يَده قَضِيْبُه، فأجارَهُ ولم يُمكِّن منهُ أحدًا، ومنعَهُ من البَسَاسِيرِيّ، وسيَّرَهُ إلى حِصْن عَانَة - وقيل: الحَدِيْثة - وهو حِصْنٌ مَنيع في وسَط الفُرَات، وصَاحبهُ رَجُلٌ يُعْرَفُ بمُهَارِش (١)، أحدُ أُمَرَاء بَنِي عُقَيْل، فأكْرَمَهُ إكْرامًا عَظيْمًا، وخَدَمَهُ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، فبقي فيه عند مُهَارِشٍ شُهُورًا.
قال ابنُ المُهَذَّب: وفيها - يعني سَنَة إحْدَى وخَمْسِين - دَعا البَسَاسِيرِيّ للمُسْتَنْصِر؛ صاحب مِصْر، في جامع المَنْصُور ببَغْدَاد، وبقيَت الدّعْوَةُ شُهُورًا.
(١) هو الأمير مهارش بن المجلى العقيلى، أورد ابن خلكان سياقة نسبه. انظر: وفيات الأعيان ١: ١٩٣، وسبط ابن الجوزي: مرآة الزمان ١٩: ٩٠، ٥٤١.