وفيها: عاد طُغْرِلبِك مَلِكُ التُّرْكُمَان أبو طَالِب مُحَمَّد بن مِيْل إلى بَغْدَاد، فانْحَاز البَسَاسِيرِيّ وجَماعة العَرَب، وخَرَجَ معهم من التُّجَّار ببَغْدَاد وغيرهم خَلْق عَظِيم لا تُحْصَى أمْوَالُهم، وذُكِر أنَّهم كانوا زُهَاءً عن مائة ألف وعشرين ألفًا، وتَبعهم من أصْحَاب طُغْرِلبِك زُهَاء عن عشرين ألفًا، فقُتِلَ البَسَاسِيرِيّ وخَلْقٌ كَثِيْر لا يُحْصَى عَدَدُه، ونُهِبَتْ تلك الأمْوَالُ، وكان الّذين تَبِعَهُم ولَقِيَهُم من عَسْكَر طُغْرِلبِك نحو من عشرين ألفًا.
وسار مُهَارِشٌ العُقَيْلِيُّ بالخلَيفَة إلى بَغْدَادَ في مَحْمَل، فأعْطاهُ من الأمْوَالِ والأقْطاعِ شيئًا عَظيْمًا، حتَّى أنَّه صَار مُهَارِشٌ أيْسَرَ بَني عُقَيْل.
وسَار الأَمِيرُ أبو ذُؤَابَة عَطِيَّة بن أسَد الدَّوْلَةِ صَالِح بن مِرْدَاسٍ إلى الرِّحْبَة فأخَذَ جميعَ ما تركَهُ البَسَاسِيرِيُّ بها من السِّلاح الّذي لم يُرَ مثله كَثْرةً وجَوْدَةً وأمْوَالًا جريْلةً كانت للبَسَاسِيْرِيّ، ثمّ ولَّى فيها بعضَ أصْحَابهِ.
أخْبَرَنا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ إذْنًا، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور عبد الرَّحْمن القَزَّاز، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْرٍ أحْمَد بن عليّ بن ثَابِت الخَطِيب (١)، قال: ولم يَزَل أمرُ القَائِم بأمْرِ اللّه مُسْتَقِيْمًا إلى أنْ قُبِضَ عليه في سَنَة خَمْسِين وأرْبَعِمائة، وكان السَّبَبُ في ذلك أنَّ أَرَسْلَان (a) التُّرْكِيّ المَعْرُوف بالبَسَاسِيرِيّ، كان قد عَظُمَ أمْرهُ واسْتفحَلَ شَأنُه لعَدَمِ نُظَرائهِ من مُقَدَّمي الأتْراك المُسَمَّيْن بالأصْفَهْسَلَارِيَّةِ، واسْتَولَى على البِلادِ، وانْتَشَر ذِكْرُه، وطَارَ اسْمُه، وتَهَيَّبَته أُمَرَاءُ العَرَب والعَجَم، ودُعِيَ له على كَثِيْرٍ من المَنَابِر العرِاقِيَّة، وبالأهْوَاز ونَوَاحِيها، وجَبَى الأمْوَال، وخَرَّب الضِّيَاع، ولم يكُن الخلَيفَةُ القَائِم بأمر اللَّه يقطَعُ أمْرًا دونَهُ، ولا يَحُلُّ ويعْقدُ إلَّا عن رَأيهِ.