للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ صَحَّ عند الخلَيفَة سُوءُ عَقِيْدَتِه، وشَهِدَ عندَهُ جَمَاعَةٌ من الأتْراك أنَّ البَسَاسِيرِيّ عَرَّفَهُم - وهو إذا ذاك بوَاسِط - عَزْمَهُ على نَهْب دَار الخِلَافَة والقَبْض على الخلَيفَة، فكاتَبَ الخلَيفَةُ أبا طَالِب مُحَمَّد بن مِيْكَال المَعْرُوف بطُغْرِلبِك أميرَ الغُزّ، وهو بنَوَاحِي الرَّيّ يَسْتَنْهضُهُ على المَسِير إلى العِرَاق، وانْفَضَّ أكثرُ مَنْ كان مع البَسَاسِيرِيّ وعادُوا إلى بَغْدَاد، ثمّ أجمع رأيهُم على أنْ قَصَدُوا دَارَ البَسَاسِيرِيّ، وهي بالجانب الغَرْبيّ في المَوضِع المَعْرُوف بدرْب صالح، بقُرْب الحَريْم الطَّاهِريّ، فأحْرَقُوها، وهدَمُوا أبْنيتَها.

ووَصَل طُغْرِلبِك إلى بَغْدَاد في شَهر رَمَضَان من سَنَة سَبع وأرْبَعين وأرْبَعِمائة، ومَضَى البَسَاسِيرِيّ على الفُرَات إلى الرَّحْبَةِ، وتَلاحَقَ بهِ خَلْقٌ كَثِيْرٌ من الأتْرَاك البَغْدَادِيّينَ، وكاتَبَ صَاحِبَ مِصْرَ يَذْكُرُ له كَوْنَهُ في طاعَتِهِ، وأنَّهُ على إقامَةِ الدَّعْوَة له بالعِرَاق، فأمَدَّهُ بالأمْوَالِ، ووَلَّاهُ الرَّحْبَةَ.

وأقامَ طُغْرِلبِك بَغْدَاد سَنَةً إلى أنْ خَرَجَ منها إلى المَوْصِل، وأوْقَعَ بأهْل سِنْجَار، وعادَ إلى بَغْدَاد، فأقامَ بها مُدَّةً، ثمّ رجَع إلى المَوْصِل، وخرج منها مُتَوَجِّهًا إلى نَصِيبيْن ومعه أخوه إبْراهيم يَنَال (a)، وذلك في سنة خَمْسِين وأرْبَعِمائة، فخالَفَ (b) عليه أَخُوه إبْراهيم، وانْصَرف بجَيْشٍ عَظِيم معه يقصِدُ الرَّيّ، وكان البَسَاسِيرِيُّ راسَلَ إبْراهيمَ يَشُيرُ عليه بالعِصْيَان لأَخِيهِ، ويُطْمعهُ في المُلْكِ والتَّفَرُّدِ به، وبَعِدُهُ بمُعاضَدَتهِ ومُضَافَرته عليه، فسَار طُغْرِلبِك في أثر أخيهِ إبْرَاهيم، وتَرَكَ عَسَاكِره وَراءَهُ، فتفرَّقت، غير أنَّ وَزِيرهُ المَعْرُوف بالكُنْدُرِيّ، ورَبِيْبهُ أَنَوشَرْوان، وزَوْجَتَهُ خَاتُون، وَردُوا بَغْدَاد بمَنْ بَقِيَ معَهُم من العَسْكَر في شَوَّال من سَنَة خَمْسِين وأرْبَعِمائة، واسْتَفاضَ الخَبَرُ باجْتِمَاع طُغْرِلبِك مع أخيهِ إبْراهيم بهَمَذَان،


(a) عند الخطيب البَغْدَاديّ، حيثما يرد: إبْرَاهِيم إيْنَال.
(b) الأصل: فحالف، وانظر خبر الوحشة بين طغرلبك وينال عند ابن الأثير: الكامل ٩: ٦٣٩ وما بعدها، والحسيني: أخبار الدَّوْلَة السلجوقية (زبدة التواريخ) ١٩ - ٢٠، وابن خلدون: العبر ٩: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>