والأتْراكُ في أعْرَاضه، وبينَ يَدَيْهِ، وضَرَبَ قُرَيْشٌ لخَلِيفَة خَيْمَةً إزَاءَ بيتِه بالجانب الشَّرْقيّ، فدَخَلها الخَلِيفَةُ، وأحْدَقَ بها خَدَمُهُ. ومَاشَى البَسَاسِيرِيّ وَزِيَر الخَلِيفَة أبا القَاسِم ابن المُسْلِمَة ويَدُ البَسَاسِيرِيّ قَابضَةٌ على كُمِّ الوَزِير، وقُبضَ على قاضِي القُضَاةِ أبي عَبْدِ اللّه الدَّامَغَانِيِّ وجَمَاعَةٍ معه وحُمِلوا إلى الحَريْم الطَّاهِريّ، وقُيِّدَ الوَزِيرُ وقاضِي القُضَاةِ.
فلمَّا كان يَوْم الجُمُعَة الرَّابِع من ذِي الحِجَّة لم يُخْطَبْ بجامع الخَلِيفَة، وخُطِبَ في سَائر الجَوَامع لصَاحِب مِصْرَ، وفي هذا اليَوم انْقَطَعَتْ دَعْوَة الخلَيفَةِ من بَغْدَاد، ولمَّا كان يَوْم الأرْبَعَاءِ تَاسِعُ ذِي الحِجَّة، وهو يوْمِ عَرَفَة، أُخْرِجَ الخَلِيفَةُ من المَوضع الّذي كان بهِ، وحُمِلَ إلى الأنْبَار، ومنها إلى حَدِيثَة عَانَة على الفُرَات، فُحبِسَ هناك، وكان صَاحِب الحَدِيْثة والمُتَوَلِّي خِدْمَة الخلَيفَة بنَفْسه هناك مُهَارِش البَدَوِيّ، وحُكِيَ عنه حُسْن الطَريْقَة، وجَمِيل المُعْتَقَد.
فلمَّا كان يَوْمَ الاثْنَين الثَّامن والعشرين (a) من ذي الحجة شُهِرَ الوَزِير على جَمَلٍ، وطِيْفَ بهِ فِي مَحَالِّ الجانب الغَرْبيّ، ثمّ صُلِبَ حيًّا بباب خُرَاسَانَ إزَاءَ التُّرَب، وجُعِلَ في فَكَّيْهِ كَلُّوْبَان من الحَدِيْد، وعُلِّق على جِذْعٍ، فماتَ بعد صَلَاة العَصْر من هذا اليوم، وأُطْلِقَ قاضِي القُضَاة أَبو عَبْد اللّه الدَّامَغَانِيّ بمالٍ قُرِّرَ عليه.
وخَرَجْتُ من بَغْدَاد يَوْم النِّصْف من صَحفَر سَنَة إحْدَى وخَمْسِين، فلم يَزَل الخَلِيفَة في مَحْبَسِه بحَدِيْثَةِ عَانَة إلى أنْ ظَفَر طُغْرِلبِك بأخيهِ إبْراهيم وقَتلَهُ، ثمّ كاتَبَ قُرَيْشًا في إطْلَاق الخَلِيفَة وإِعَادته إلى دَاره، وذُكِرَ لنا أنَّ البَسَاسِيرِيَّ عَزَم على ذلك لمَّا بَلَغَهُ أنَّ طُغْرِلبِك مُتَوجِّهٌ إلى العِرَاق، وأطْلَعَ البَسَاسِيرِيّ أبا مَنْصُور عَبْد المَلِك بن مُحَمَّد بن يُوسُف على ذلك، وجَعَلَهُ السَّفِيرَ بينه وبين الخلَيفَة فيه، وشَرَطَ أنْ يَضْمَنَ الخلَيفَة للبَسَاسِيْرِيّ صَرْفَ طُغْرِلبِك عن وَجْهه.