للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْد اللّه بن عُلْوَان (a)، قال: وممَّا يَخُصُّني من غَرَائِب اللَّبَن أنني حين وُلدْتُ الْتُمِسَ لي مَنْ يُرْضعُنيّ، فقدَّر اللّه سُبْحَانَهُ الرِّزْق من امْرأةٍ كبيرة قد نيفَتْ عن السِّتِّين سَنَةً، ليسَ لها وَلدٌ صغيرٌ، فدَرَّتْ عليَّ وأرْضَعَتْني إلى حين فُطِمْتُ، وعاشَتْ بعد فطَامِي نَحْوًا من خَمْس عَشْرة سَنَةً وكانت رَحمها اللّهُ مَتَى عَصَرت ثَدْيَها طار منه اللَّبَنُ كأنَّها مُرْضِعَة.

أنبأنَا الحَسَن بن مُحَمَّد، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد (١)، قال: قال لي أبو عَبْدِ اللّه مُحَمَّد بن المحسِّن (b) بن الملحِيُّ: الأَمِير مُؤيد الدَّوْلَة أُسامَةُ بن مُرْشِد بن مُنْقِذ، شَاعرُ أهْل الدَّهْر، مَالكُ عِنَان النَّظْمِ والنَّثْرِ، مُتَصَرِّف في مَعَانيهِ، لاحِقٌ بطَبَقَة أبيهِ، ليس يستَقْصَى وَصْحفُه بمعَانٍ، ولا يُعَبَّرُ عن شَرحها بلِسَان، فقَصَائِده الطّوال لا يُفَرَّقُ بينها وبين شِعْر ابن الوَليد، ولا ينكَر على مُنْشِدها نِسْبَتَها إلى لَبِيْد، وهي على طَرف لِسَانهِ، بحُسْن بَيانه، غير مُحْتَفل في طُوْلها، ولا يتَعَثَّرُ لفْظهُ العالي في شيء من فُصُولها، والمُقَطَّعَاتُ فأحْلَى من الشُّهْدِ، وألَذُّ من النَّوْم بعد طُول السُّهْد (ح)، في كُلِّ معنىً غَرِيْب، وشَرْح عَجَيب.

قُلتُ: ولم يَذكر الحافِظ أبو القَاسِم في تَارِيْخهِ أحَدًا ممَّن تأخَّرتْ وفَاتهُ عن وفَاته غير أرْبَعَة أو خَمْسة، أبو المُظَفَّر أُسامَة بن مُنْقِذ هذا أحَدُهُم، وذلك لجلَالته عندَهُ، وعُلُوَّ مَنْزِلته.

أنْبَأنَا مُحَمَّد بن إسْماعِيْل بن عَبْد الجبَار بن أبي الحَجَّاج المِصْرِيّ، قال: أخْبَرَنا عِمَاد الدِّين أبو عَبْدِ اللّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الكاتِب الأصْبَهَانِيّ في كتاب خَرِيْدَة


(a) ضبطه في هذا الموضع بكسر أوله: عِلْوان.
(b) في الأصل وعند ابن عساكر: الحَسَن، وتقدم اسْمُه - كما يأتي كثيرًا - على النحو المثبت.
(c) ابن عساكر: السهر، وعبارة ابن العديم أوْفق للسجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>