للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَصْر وجَرِيْدَة العَصْر (١)، تأليفه، قال: أسامَة كاسْمِهِ؛ في قُوِّة نَثْره ونَظْمه، يَلُوح منِ كَلامِهِ أمَارَةُ الإمَارَة، ويُؤسِّس بَيْتَ قَرِيْضِهِ عِمَارَهُ العِبَارة، نُشِر له عَلَمُ العِلْم، ورَقِيَ سُلَّم السِّلْمِ، ولَزِمَ طَريق السَّلامَة، وتَنَكَّبَ سُبُلَ الملَالةِ (a) والمَلَامَة، واشْتَغَل بنَفْسه، ومُجَاوَرَة أبناء جِنْسِه، حُلْوُ المُجَالَسَة، حَالي المُسَاجَلَة، نَدِيّ النَّدَى بماءِ الفُكَاهَة، عَالِي النَّجْم في سَمَاءِ النَّبَاهَة، مُعْتَدِل التَّصَارِيْف، مَطْبُوع التَّصَانِيْف، أسْكَنَهُ عِشْقُ الغُوْطَة، دِمَشْقَ (b) المَغْبُوطَة، ثمّ نَبَتْ به كما تَنْبُو (c) الدَّارُ بالكَريْم، فانتقَلَ إلى مِصْر، فبَقي بها مُؤَمَّرًا مُشَارًا إليهِ بالتَّعْظِيم إلى أيَّام ابن رُزَّيْك، فعَادَ إلى الشَّامِ، وسَكَنَ دِمشْقَ مَخْصُوصًا بالاحْترَام (d)، حتَّى أُخِذَتْ شَيْزَرُ من أهْلِهِ، ورَشَقَهُم صَرْفُ الزَّمان بنَبْلهِ، ورَماهُ الحدَثَانُ إلى حِصْن كيْفَا مُقِيْمًا بها في وَلَدِه، مُؤْثِرًا بلَدَها على بَلَدِه، حتَّى أعادَ اللّهُ سَلْطَنَةَ (e) المَلِكِ النَّاصِر صَلاحِ الدِّين يُوسُفَ بن أيُّوب في سَنَة سَبْعِين، ولم يَزَلْ مَشْغُوفًا بذِكْره، مُسْتَهْتِرًا بإشَاعَة نَظْمِهِ ونَثْرِه، والأَمِيرُ العَضُدُ مُرْهَف وَلَدُ الأَمِير مُؤيَّد الدَّولَة جَلِيْسُه ونَدِيْمُهُ وأَنِيْسُه، فاسْتَدْعاهُ إلى دِمَشْقَ، وهو شَيْخٌ قد جاوزَ الثَّمانيْن.

وكُنْتُ قد طَالَعْتُ مُذَيَّل السَّمْعَانيّ، فوَجَدْتُه قد وَصَفَهُ وقرَّظَهُ، وأنْشَدَني العَامِرِيُّ له بأصْبَهَان من شِعْره ما حَفِظه، وكُنْتُ أتَمَنَّى أبَدًا لُقْيَاه، وأشِيْمُ على البُعْد حَيَاهُ (f)، وسَألتُه عن مَوْلدِه، فقال: يَوْمَ الأَحَد سَابِع عِشْرِيّ جُمَادَى الآخرة سَنَة ثَمانٍ وثمانين وأرْبَعِمائة.


(a) ليست في الخريدة.
(b) الخريدة: بدمشق.
(c) الأصل: يبنو، والمثبت من الخريدة ومعجم الأدباء.
(d) الخريدة: بالإكرام.
(e) الخريدة: أعاد اللّه دِمَشْقَ إلى سلطنة.
(f) تتمته في الخريدة: "حتَّى لقيته في صفر سنة إحدى وسبعين بدمشق، وسألته … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>