للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورياضُها مُزْهِرة، ومياهُها مُتَفجِّرة، يَقْطعُها السَّفْر في بالٍ رَخيّ وأمْن وسُكون.

وأَنْطاكِيَةُ بلدٌ عَظِيمٌ، ذو سُور وفَصِيْل، ولسُوره ثلاثمائة وستُّون بُرْجًا، يَطُوفُ عليها بالنَّوْبةِ أربعة آلاف حارس، يَنْفَذُونَ من القُسْطَنْطِينيَّة من حَضْرة المَلِك، يَضْمَنُون حِراسَةَ البَلَدِ سنةً، ويَسْتَبْدل بهم في السَّنَة الثَّانيةِ.

وسِكَكُ البَلَدِ كنصف دَائرة، قُطْرها يَتَّصِل بجَبل، والسُّور يَصْعَد مع الجَبَل إلى قُلَّتِهِ، فيتمُّ دائِرَهُ، وفي رأس الجبَل دَاخِل السُّور قَلْعَة تَبِيْنُ - لبُعْدِها عن البَلَدِ - صغيرةً، وهذا الجَبلُ يَسْتُر عنها الشَّمْسَ فلا تَطْلُع عليها إلَّا في السَّاعَة الثَّانية، وللسُّور المُحيط بها دُون الجَبَل خَمْسة أبواب، وفي وَسطها بِيْعَة القُسْيَان، وكانت دَار قُسْيَان المَلِك الّذي أحْيا ولدَهُ فُطْرُسْ رَئيس الحَوَارِييّن عَليهِ السَّلامُ، وهو هَيْكَلٌ طُوله مائة خَطْوَة، وعرْضُه ثمانون، وعليه كَنِيْسَة على أسَاطين، وكان بِدَوْر الهيكَل أرْوِقَة يَجْلِسُ عليها القُضَاةُ للحُكُومة، ومُعَلِّمو (a) النَّحو واللَّغَة، وعلى أبواب هذه الكَنِيْسَة بَنْجَام (b) للسَّاعات يَعْمل ليلًا ونهارًا دائمًا، اثْنَتي عَشرة ساعةً، وهو من عَجائب الدُّنْيا، وفي أعْلاه خَمْس طَبَقات، في الخامسَة منها حَمَّامات وبَساتِيْن، ومَعاصِر حَسَنَة تَخرَّقُها المياهُ، وعِلَّة ذلك أنَّ الماءَ يَنْزل إليهم من الجَبلِ المُطِلّ عليهم، وهناك من الكَنَائِس ما لا تُحَدّ كَثْرةً، كُلّها مَعْمُولة بالفَصِّ المُذهَب، والزُّجَاج المُلَوَّن، والبلاط المُجَزَّع.


(a) الأصل: ومعلموا.
(b) كذا ذكرها بالجيم، وتحرفت في نشرة رحلة ابن بطلان ٧٨، ٩٧: فنجان، والمعروف: البنكام والبنكان، الساعة المائية المُتَّخذة لرصد الوقت، وما تضمَّنه كلام ابن بطلان يعدّ انْفرادًا لم نجده عند غيره من وجود ساعات مائية في كنيسة القسيان بأنطاكية، بينما عُرفت السَّاعات في قصور الخلفاء والسَّلاطين، وكانت على باب جيرون، أحد أبواب الجامع الأموي بدمشق ساعات مائية وصفها ابن جبير في رحلته. انظر رحلة ابن جبير ٢٤٣ - ٢٤٤، ودهمان: علم الساعات والعمل بها ٢٦ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>