للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَأتُ في كتاب أحمد بن مُحمَّد بن إسْحَاق الهمذاني [ابن] (a) الفَقِيه في البُلْدان (b) وأخبارها: لَمَّا أنَّ فتح أنوشروان قِنَّسْرِيْن ومَنْبج وحَلَب وحِمْص ودِمَشْق وإِيلِيَاء وأَنْطاكِيَة، اسْتَحْسَنَ أَنْطاكِيَةُ، فلمَّا انْصَرَف إلى العِرَاق، بَنى بها مَدِينَة على مِثال أَنْطاكِيَةُ بأسْواقها وشَوَارعها ودُورها، وسمَّاها رندخُسْره (c)، وهي الّتي تُسمِّيها العرب: الرُّومِيّة، وأمرَ أنَّ يُدْخَلَ إليها سَبْي أَنْطاكِيَةُ، فلمَّا دَخَلُوها لم يُنْكِروا من منازلهم شيئًا، فانْطلق كُلّ رَجُل منهم إلى مَنْزله، إلَّا رَجُلٌ إسْكَافٌ (١)، كان على باب داره بأَنْطاكِيَة شَجَرة فِرْصَادٍ فلم يَرَها على بابِه ذلك، فتَحَيَّر سَاعةً، ثمّ دخل الدَّار فوجَدَها مثل دَاره.

وقَرَأتُ في بعض ما عَلَّقْتُهُ من الفَوائدِ أنَّ كِسْرَى بنَى الرُّومِيّة بالمَدَائِن، وهي: بَاذْبَجَان خُسْره (d)، وتَفْسيرها: خَيْرٌ من أَنْطاكِيَةُ.

وهذا الّذي ذكرَهُ [ابن] الفَقِيه أحمد بن مُحمَّد بن إسْحَاق الهَمَذَانِيّ من أنَّهم لم يُنكروا من منازلهم، وأنَّ الرَّجُل الإسْكَاف لم يَرَ شَجَرة الفِرْصَاد على بابه، فتحيَّرَ سَاعةً ثمّ دَخَل، بعيدٌ جدًّا، بل هو من المُسْتحيلات؛ لأنَّ أبْنيَة أَنْطاكِيَةُ بالحَجَر، وبناء هذه المَدِينَة بالآجُرِ، بل يُحْتمل أنَّه شبَّهها بها في المنازل والشَّوَارع، فدَخَلَ كُلُّ واحدٍ إلى ما يُشْبهُ مَنْزله، لا أنَّ الإسْكَاف أَنْكر الموضِع لأنَّهُ لم يرَ شَجَرة الفِرْصَاد.


(a) ساقطة من الأصل، وقد تقدم للمؤلف أنْ لقَّبَهُ بابن الفقيه.
(b) في الأصل: كتاب البلدان، وضبب على كلمة كتاب التي تقدمت في طالع كلامه، وانظر: ابن الفقيه: كتاب البلدان ١٦٤ - ١٦٥.
(c) عند ابن الفقيه ١٦٤ بالزاي المعجمة: زند خُسْره، وعند أبي الفداء: اليواقيت والضرب ٣٠: زبد حسره.
(d) عند ابن شداد: الأعلاق الخطيرة ١/ ٢: ٨٥: باذبخان خسره.

<<  <  ج: ص:  >  >>