للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال (١): كان أبي يَسلُكُ في الأدَب مَسْلَكَ عَبْدِ اللّه بن المُقَفَّع، ولم يكُن يقدِّم على عُلُوم الأوَائِل من الهِنْدِ والرُّوم وأهل فارس عِلمًا، ولا يَزِيد على حِكمَتهم شيئًا، وكان يقُول بالتَّوْحِيدِ، غير أنَّهُ كان يَزعُمُ أنَّ (a) الله عزَّ وجلَّ أحدَثَ جَوْهَرَين مُتَضَادَّين لا من شيءٍ، ثمّ أنَّهُ بَنَي العالَم هذه البِنْيَة منهما، وكان يَقُول: إنَّ العالَمِ حديثُ العَيْن والصَّنْعَة لا مُحْدِثَ لهُ ولجميع ما فيهِ إلَّا اللّه تعالَى وحدَه، وكان يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عزَّ وجلَّ سيُعِيْد كُلَّ شيء ممَّا خَلَقَ على هذه الصَّنْعَة إلى الجوهَرَين المُتَضَادَّين، أو قال: الأصلين الحَديثين لا من شيء قبل أنْ تفنَى الأعْيَان جَمِيعًا، وكان يذهَبُ إلى أنَّ المَعَارف وَاقِعَةُ بقَدْر الفِكْر والبَحْث والاسْتدلال طِبَاعًا. وكان يَقُول: إنَّ اللّه عزَّ وجلّ لم يَزَل (b) مَوْصُوفًا بالحيِّ، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (٢)، وكان يَذْهبُ إلى أنَّ الحَوَادِثَ كُلّها - خَيْرَها وشَرَّها مُذْ برأ اللّهُ العالَم وإلى أنْ يُبِيْدَهُ - فَلكَيَّة على مَذْهَب المُنَجِّمين ما خلا الإرادَة فقط، وكان يقُولُ بالوَعيْد، وبتَحريم المكَاسِب على مَذْهَب الزَّيديَّةِ، وكان يَتَشَيعُّ لآل رسُول اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم -، غيرَ أنَّهُ لم يكن يَتَنقَّصُ أحدًا من أصحَاب رسُول اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عليه وسلَّم -، ولا من أُمَّهات المُؤْمنِيْن رحمهُنَّ اللّه، ولم يَكُن يَرَى الخُرُوجَ على السُّلْطان، ولا يَرَى الجَدَل والمِرَاءَ في (c) الدِّين، وكان يَذْهبُ إلى خَلِعْ الدُّنْيا والزُّهْد فيها والتَّصَوُّف والقَنَاعَة، وكان يَقُول: الاسْتِطَاعَةُ مع الفعْل، وأنَّ اللّه عزَّ وجلَّ قضَى السَّيِّئات والحَسَنات.

وقال (٣): كانت لأبي جارَهُ تُشرف على سَطْحه، فرَأتهُ ليلَةً يَقنُتُ، فَرَوَتْ عنه أنَّهُ يُكلِّم القَمَر، واتَّصَل الخَبَرُ بحَمدَوَيهِ صَاحب الزَّنادِقَة، فصَار إلى منْزِلها


(a) ساقطة من ب.
(b) قوله: "لم يزل" ساقط من ب.
(c) ساقطة من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>