للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَأتُ في رِسَالَةِ أبي الصَّلْت أُمَيَّة بن عَبْد العَزِيْز في صِفَة مِصْر ومَنْ بها من الفُضَلَاء (١)، قال: ومن شُعَرائها المَشْهُورين أبو الطَّاهِر إسْمَاعيْل (a) بن مُحَمَّد المَعْرُوف بابنِ مِكْنسَة، وهو شَاعِرٌ كَثِيْرُ التَّصَرُّف، قليلُ التَّكَلُّف، مُفْتَنٌ في نَوْعَي (b) جدّ القَرِيْض وهَزْلهِ، وضَاربٌ بسَهْم دَقِيْقه (c) وجَزْلهِ، وكان في رَيْعَان شَبِيْبته، وعُنْفُوَان حَدَاثَتهِ، يتعَشَّق (d) غُلامًا من أبْناءَ العَسْكَريَّةِ المِصْرِيِّيْن يُدْعى عِزّ الدَّوْلَةِ بن فَائِق (e)، وهو الآن بمِصْر من رجال دَوْلَتها المَعْدُودين، وأكَابِرها المُقَدَّمِين، ولم يزلْ مُقِيْمًا على عِشْقِه له، وغَرَامِه بهِ إلى أنْ مَحَا مَحَاسِنَهُ الشَّعرُ، وغيَّرَ مَعَالِمَهُ الدَّهْرُ، ولم يَزَل عِزُّ الدَّوْلَة هذا مُتَعَهِّدًا له، مُحْسِنًا إليه، مُشْتَملًا عليه، إلى أنْ فرَّق المَوْت (f) بينهما.

وكان في أيَّام أمير الجُيُوش بَدْر الجَمَالِيّ مُنْقَطِعًا إلى عاملٍ من النَّصارَى يُعْرَفُ بأبي مَلِيْح بن مَمَّاتِيّ، وأكْثرُ أشْعَاره فيه، فلمَّا انْتَقل الأمرُ إلى الأفْضَل تعرَّض لامْتداحهِ واسْتماحهِ، فلَم يَقْبَلْهُ ولم يُقْبِل عليه، وكان سَبَبُ حرمانه ما سَبَق من مَدَائِحه لأَبي مَلِيْح ومَرَاثِيه (g)، ولا سِيَّما قَوْلهُ (٢): [من مجزوء الكامل]

طُوِيَتْ سَمَاءُ المَكْرُما … تِ وكُوِّرَتْ شَمْسُ المَدِيْح

وتَنَاثرتْ شُهْبُ العُلَا … لمَّا ثَوَيْتَ أبا مَلِيْحِ

من أبياتٍ منها:

ماذا أُرَجِّي في حَيَاتِـ … ــي بعدَ مَوْت أبي المَلِيْحِ


(a) الرسالة المصرية: أبو الطاهر بن إسماعيل.
(b) الرسالة المصرية: وشي، وفي أصوله: وعي.
(c) الرسالة المصرية: بسهم في رقيقه.
(d) الرسالة المصرية: يعشق.
(e) الرسالة المصرية: عزّ الدولة فائق، وسماه في تاليه: معز الدولة.
(f) الرسالة المصرية: الدهر.
(g) الرسالة المصرية: ومراثيه ميتًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>