للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال لي والدي رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّ اليَوْم الّذي ماتَ فيه انْقَلَبَتِ المَدِينَةُ بالبُكَاء والضَّجِيْج، ولم يُرَ إلَّا باكٍ عليه، مُصَابٍ بهِ.

قال لي: ودُفِنَ بقَلْعَة حَلَب، ولم يَزَل قَبْره بها إلى أنْ مَلَك المَلِكُ النَّاصِر حَلَب وتسَلَّم قَلْعتَها، فحوَّل قَبْره إلى الخَانكَاه الّتي أنْشَأتها والدتُه تحت القَلْعَة.

قال لي (a): ولمَّا حُوِّل، ظَهَر من النَّاسِ من البُكَاءِ والتَّأسُّف كيَوْم ماتَ. قال: ووُجِد من قَبْره عند نَبْشه شبيهٌ برَائِحَة المسْكِ، رحمه اللَّه. وحَكَي لي ذلك أيضًا غير وَالدِي.

وكان رَحِمَهُ اللَّهُ على صغَر سنَّه كَثِيْرَ الاتِّباعَ للسُّنَّة، والنَّظَر في العَوَاقِب، وأخْبَرَني والِدي، قال: حَكَى العَفِيف بن سكَّرة اليَهُودِيّ الطَّبِيْب (١)، وكان يتولِّى مُعَالجَة المَلِك الصَّالِح في مَرضه الّذي مات فيه، وكان به قُوْلَنْجِ، قال: قلتُ له يوْمًا يا مَوْلَانا، واللَّه شفاؤُكَ في قَدَحٍ من خَمْر، وأنا أحْملُه إليك سِرًّا ولا تَعْلَمِ به والدتُكَ، ولا اللَّالَا، ولا شَاذْبَخْت، فقال لي: يا حَكِيم، كنتُ أظنُّكَ عَاقِلًا، نبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم يقول (٢): إنَّ (b) اللَّه لم يَجْعَل شفاءَ أُمَّتِي فيما حُرِّم عليها. وتقُول لي أنتَ هذا! وما يؤْمنُني أنْ أشرَبَهُ وأَمُوت وألْقَى اللَّه تعالَى وهو في جَوْفي، واللَّه لو جَاءني جِبْرِبل وقال لي: شفَاؤُك فيهِ لَمَا شربْتُه. وتُوفِّيَ وله نحو ثَمانية عَشر سَنَة.

سَمِعْتُ شَيْخنا مُوَفَّق الدِّين يَعِيْش بن عليّ بن يَعِيْش، قال: أخْبَرَني الأَمِيرُ


(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>