للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى تَلِّ السُّلْطان ومعه عَسْكَرُ كَثيف، وطَلَب المَلِك النَّاصِر عَسْكَر مِصْر، وسار نحوهم والْتَقَى العَسْكَران في بُكْرة الخَمِيْس العاشِر من شَوَّال سَنَة إحْدَى وسَبْعِين وخَمْسِمائَة، فانْكَسرَ سَيْف الدِّين غَازِي، وعاد إلى حَلَب فأخذ منها خزانتَهُ وسَار إلى بلاده، وسَار المَلِك النَّاصِر فتسلَّمِ مَنْبجَ، ونَزَلَ على قلْعَة عَزَاز ففَتَحها، وسَار إلى حَلَبَ فنَرَل عليها في السَّادِس عشر من ذي القَعْدَة فأقام عليها مُدَّة، وبَذَل الحَلَبِيُّون جهدَهُم في القِتَال والمُحَامَاة عن المَلِك الصَّالح.

وحَكَى لي والدي أنَّهم كانوا يُقاتلونَ عَسْكَر المَلِك النَّاصِر حتَّى يَصلوا إلى المُخَيَّم، وأنَّهم قبضُوا على جَمَاعَة، فكانوا يُشَرِّحُون أسَافل أقْدَامهم ليمنَعهم ذلك عن المَشْي، فلا يردُّهم ذلك عن القِتَال، فلمَّا لم يَنَل من حَلَب ما أرادَ صَالحَهم، وسَار عنها فأخرجوا إليه إبْنَةَ نُور الدِّين أُختَ المَلِك الصَّالح، وهي صَغِيرَة، فقال لها: ما تَشْتهين؟ فقالت: أُرِيْدُ أنْ تُعِيْد إلينا عَزَاز فوَهَبها إيَّاها، وكان التَّدْبِير بحَلَب إلى والدته، وإلى شَاذْبَخْت الخَادِم، وأمير لالا، وخَالِد بن القَيْسَرَانِيّ.

ثُمَّ إنَّ المَلِك الصَّالِح، رَحِمَهُ اللَّهُ، مَرض بالقُوْلَنْج في تَاسع شَهْر رَجَب من سَنَة سَبْعٍ وسَبْعِين، فأخْبَرَني قاضِي القُضَاة أبو المَحَاسِن يُوسُف بنِ رَافِع بن تَمِيْم (١)، قال: في ثالث وعشرين من رَجَب أُغْلِق باب القَلْعَة لشِدَّة مَرضه، واستُدْعي الأُمَرَاءُ، وأُخذ واحدٌ واحد واسْتُحلفُوا لعِزّ الدِّين مَسْعُود صَاحب المَوْصِل.

قال (٢): وفي خامس وعشرين منه تُوفِّي رَحِمَهُ اللَّهُ، وكان لمَوْته وَقْعُ عَظيم في قُلُوب النَّاس.

وكان المَلِكُ الصَّالِح، رَحِمَهُ اللَّهُ، قد رُبِّيَ أحْسَن تَرْبيَة، وكان دَيِّنًا، عَفِيْفًا، وَرِعًا، كَريْمًا، مَحْبُوبًا إلى قُلُوب الرَّعِيَّةِ لعَدْله وحُسْن طَريقَته ولِيْن جانبهِ لهم.


(١) بهاء الدين ابن شداد: النوادر السلطانية ٩٩.
(٢) النوادر السلطانية ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>