للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنْبَأنَا أحْمد بن عَبْد الله الأسَدِيّ، عن الحَافِظ أبي طَاهِر الأصْبَهَانِيّ، عن أحمد بن مُحمَّد بن الآبِنُوسِيّ، عن أبي الحُسَيْن أحمد بن جَعْفَر بن مُحمَّد بن عبُيَد الله المُنَادِي، قال: يُقال (١): إنَّ ما من بناءٍ بالحِجَارَة أبْهَى (a) من كَنِيْسَة الرُّهَا، ولا بناءٌ بالخَشَب أَبْهَى من كَنِيْسَة مَنْبِج؛ لأنَّها بطاقات من خَشَب العُنَّابِ، ولا بناءٌ بالرُّخَامِ أبْهَى من قُسْيَان أَنْطاكِيَة، ولا بناءٌ بطاقاتِ الحِجَارة أبْهَى من كَنِيْسَة حِمص، ولا بناء بالآجُر والجِصِّ أبْهَى من إِيْوَان كِسْرى بالمَدَائن، ولا منارةٌ أعْجب بناءً من مَنارة الإسْكَنْدَرِيَّة.

نَقَلْتُ من خَطِّ أبي جَعْفَر أحمد بن جُبَيْر في رِحْلَته (٢): ذِكْرُ مدينة مَنْبِج، حَرَسها الله: بلدةٌ فَسيحة الأَرجاء، صَحِيْحة الهَواء، يَحْويها (b) سُورٌ عَتِيق، مُمتَدّ الغاية والانْتهاء، جَوُّها صَقيل، ومُجْتَلَاها جَمِيل، ونَسيْمها أرِج النَّشْر عَليل، نَهارها يَنْدى ظِلُّه، وليلُهَا - كما قيل فيها - سَحَرٌ كُلُّه، يَحفٌّ بغربيِّها وشرقيِّها بَساتِيْن مُلْتَفَّة الأشْجار، مُختلفَة الثِّمَار، والماء يَطَّرد فيها، ويتخَلَّل جميعَ نَواحِيها.

قَرَأتُ في رسالة أبي المُظَفَّر إبْرَاهِيْم بن أحمد بن اللَّيْث الأذْريّ (٣)، بخَطِّ أبي طَاهر السِّلَفِيّ الحافظ: ورحلنا منه - يعني من نَهر السَّاجُور - إلى مَنْبِج، فرأيته ثَغْرًا قد تشَعَّثَ سُورُه، وبَلَدًا قد اخْتَلَّت أُمُوره، إلَّا أنِّي رأيتُ لهُ ظاهِرًا حَسنًا أدِيْمهُ، وجَوًّا طيِّبًا نَسِيْمهُ، فلم أَلُمْ صديقَنَا الطَّائِيّ (٤) على قَوْلِه: [الكامل]

في نِعْمةٍ أوْطَنْتُها وأقمتُ في … أفْيَائها فكأنَّني في مَنْبِج


(a) قيدها في الأصل حيثما ترد: أبهأ؛ بهمز في آخرها، وتقدم التعليق عليها.
(b) كذا في الأصل، وعند ابن جبير: يحف بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>