للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَرَأت بِخَطِّ عليّ بن هِلال الكَاتب، المَعْرُوفُ بابنِ البَوَّاب: لمَّا دَخَلَ الرَّشيد مَنْبِج، قال لعَبْد المَلِك بن صالح. وكان أوْطَنَها -: هذا منزلُك؟ قال: هو لك، ولي بك، قال: كيف بناؤه؟ قال: دُون منازل أهْلِي، وفَوْقَ مَنازل النَّاس، قال: فكيف طِيْب مَنْبِج؟ قال: عَذْبَةُ الماء، غَذِيَّةُ الهواءِ، قليلةَ الَأدْوَاء، قال: فكيف ليلُهَا؟ قال: سَحَرٌ كُلُّهُ (١).

وفي رواية أُخْرى من غير خَطِّ ابن البَوَّاب، قال: إنَّها لطَيِّبة؟ قال: بك طابَتْ، وبك جَمُلَتْ (٢).

وقَرَأتُ في تاريخ مُحمَّد بن الأزْهَر الكَاتِب (٣): يقال إنَّ الرَّشِيد لمَّا وَصَلَ مَنْبِج، قال: لَهُ - يعني لعَبْد المَلِك بن صالح: كيف مَدِينتكَ؟ قال: عَذْبَةُ الماءِ، بارِدةُ الهَواءِ، صُلْبَةُ المَوْطَأِ، قليلَةُ الأدْوَاءِ، قال: كيف ليلُهَا؟ قال: سَحَرٌ كُلُّه.

وقال له يَوْمًا: يا أبا عَبْد الرَّحْمن؛ ما أحْسَن بلادَكُم! قال: وكيف لا يكون ذلك، وهي بَرِّيَّة حَمْراءُ، وشملةٌ صَفْراءُ، وشجرةٌ خَضْراءُ، فيافي فُيُّح، وجِبَال وُضَّح. فالْتَفتَ الرَّشِيدُ إلى الفَضْلِ بن الرَّبْيِع فقال له: ضَرْبُ السَّوْط أسْهل من هذا الكلام!.


(١) انظر محاورة الرشيد وعبد الملك بن صالح عند: المسعودي: مروج الذهب ٤: ٢٧١، الآبي: نثر الدر ١: ٤٤٦، ياقوت: معجم البلدان ٥: ٢٠٦، ابن العديم: زبدة الحلب ١: ٧١، ابن شداد، الأعلاق الخطيرة ١/ ١: ١٠٥، أبو الفداء: اليواقيت والضرب ٥١، الحميري: الروض المعطار ٢٧١.
(٢) انظره عند الثعالبي: ثمار القلوب ٥١٣، العسكري: المصون في الأدب ٢١٧.
(٣) يسمي ابن العديم كتاب ابن الأزهر هذا باسم: كتاب الأحداث، ونقل عنه في مواضع عديدة، إضافة إلى كتاب آخر في التاريخ لابن الأزهر اشترك في تأليفه مع عبد الله بن الحُسَيْن الكاتب المعروف بالقطربلي، أمَّا ابن الأزهر - أو ابن أبي الأزهر، حسبما يرد ذكره في بعض المصادر - فيشترك اسمه مع أسماء اثنين آخرين لهما كتب في التاريخ، هما: أبو عبد الله بن محمد الأزهر الأخباري (وفيات الأعيان ٦: ٤٠٢ - ٤١٥)، وأبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الأزهر البوسنجي (ت ٣٢٥ هـ)، ولم تقطع المصادر بنسبة كتاب الأحداث لأيّ واحد من هؤلاء الثلاثة. انظر تفصيل ذلك عند: إحسان عباس: شذرات من كتب مفقودة ٢١ - ٢٧.
وانظر ما يقارب رواية ابن الأزهر - المذكورة أعلاه - في المصادر التي تقدمت في الرواية قبلها، فيما ورد بخطّ ابن البوَّاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>