للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى بَيِتٍ لقيَني فناديتُ: يا أهْلَ البَيْت، أنْعَمُوا صَباحًا، فخرجت جَارِيَةٌ كالمهَاةِ، وقالت (a): وأنتَ نَعِمَ لك الصَّبَاحُ، ما تُرِيْغُ (b)؟ قُلتُ: ما طَرَق الحَيّ من بَني أَسَد؟ قالت وهي تَعْصِرُ عَيْنَيها من البُكَاءِ: طَرَقهُم أسَدٌ أخو خُفَاف بن نُدْبَة (c) فسَبَى حَرِيمَهُم وقَتَلَهُم وشَرَّدَهُم، وفَعَل بهم ما تَرَى. قُلتُ: فما فَعَل طَرَّاد وابْنَتُهُ صَيْقَل؟ قالت: أسَرَهمُا جَمِيعًا أسَدٌ وهُما عنده، فبَكَيْتُ لذلك، وأتَيْتُ أصْدِقائي في الحَيّ، فعزَّيتُهم وهم يَبْكُون، فهمَّت نَفْسِي أنْ أصِيْرَ إلى حَيّ بَني أَسَد لِمَا أصَابني من الحُبِّ والوَجْدِ، وأنْ أتَحَيَّلَ في تَخْليْصِها، فقُلتُ لهم: وعلى كَم فَرْسَخ نحنُ (d) من حَيّ بَني قُشَيْر؟ قالوا: ثلاثة فَرَاسِخ، فودَّعتُهم وكان مَغِيْبُ الشَّمْس وسِرْتُ على العَيُّوق والنَّسْرَين أطلبُ قاع الرِّيح، وكانُوا بها نَازِلين، فلم يَمْض الثُّلُثُ من اللَّيْل حتَّى أشرفْتُ على الحَيّ، وإذا الخيامُ والقِبَاب والأحْمَال (e) كالكَوَاكِب، ولم أَصِل إلى الحَيّ حتَّى أُطْفِئت المَصَابِيْحُ، وهَدَأ النَّبِيْحُ، وكانت لَيْلَةً مُقْمِرَةً، فنظَرْتُ والحيّ هَادٍ، والأخْبِيَة مُطَنَّبَة إلى جَوَانِب الجُدْرَاناتِ، فحملتُ في وادٍ كَثِيْر العَوْسَجِ والمَدَر فاخْتفَيْتُ فيه، ثمّ إنِّي فَكَّرتُ وخَشِيْتُ من الأسد، فارْتَقَيْتُ في أعْلَى شَجَرَةِ دَوْمٍ أنتظر رَاعِيَ غَنَم، رَاعِي إبِل، بعض عَجَائز الحيّ ممَّن يخرجُ يلتَقط الحَنْظَل، فإنِّي لكذلكَ، وإذا بجُوَيْرِيَةٍ سَمْرَاءَ قد أقبلَت ومعها عَبَاءٌ فبَسَطَتْها وأقْبل معها شَابٌّ فبَرَكا جَمِيعًا يتحادَثان ويتَشَاكيان أطْيَب من قَضْم السُّكَّر، أو من الشُّهْد المُصَفَّى، فأقاما على ذلك سَاعةً من اللَّيْل، ثمّ قال لها: يا بُصَيْرَة، ارْقُدِي حتَّى نَرْقُدَ ساعةً، قالت: واللَّهِ يا مَحْبُوبُ ما إلى ذلك من سَبيل لأنِّي مع النِّسْوَان الّذين قد (f) وُكِّلُوا بحِفْظ الصَّيْقَل، فأصْغَيْت حينئذٍ إليها، فقال لها: واللَّهِ ما بُدَّ لي


(a) ساقطة من ب.
(b) مهملة النقط في الأصل وب، والإعجام من ابن منظور والزبيدي، وأراغ: طلب، وما تُريغ: ما تريد وتطلب. لسان العرب وتاج العروس، مادة: روغ.
(c) تحرفت في ب: "بين يديه".
(d) ساقطة من ب.
(e) ب: والأجمال.
(f) ساقطة من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>