للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنِّي حتَّى خَلَّصُوني وفيَّ ضَرْبةٌ مُثْخنةٌ في كَتِفي، وأنا أُقاتِل، فسَاعَدَني القَوْمُ، فقَتَلنا منهم مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وأسَرْنا أسَدًا وانْهَزَم الباقُونَ، وأخَذْتُه أقُودُهُ إلى الحيّ، فلمَّا أُدْخِل وقعَت البشَارةُ وفرحُوا فَرَحًا تامًّا، فأقامَ مَحْبُوسًا ثلاثة أيَّامٍ، ونَفَّذَ بنُو قُشَيْر يَسْألوني أنْ أُخلِّصَ أسَدًا، فقُلتُ: لا أفْعَل أو يَدْفَعُونَ إليَّ طَرَّادًا ومائةَ ناقة حمْرًا بجلالها، قالوا: لا؛ ولكن نَدْفَع إليكَ (a) طَرَّادًا، قُلتُ: لا إلَّا ومائة ناقةٍ، فلمَّا رأوا منِّي التَّصَعُّب أنفَذُوا إليَّ طَرَّادًا ومائةَ ناقةٍ فسرَّحْتُ أسَدًا، ووقعَ الفَرَحُ في الحَيّ، وتَشَكَّرَ لي سَائرُ أهْل الحيّ، وأَقَمْتُ عَشرةَ أيَّام، وأنْفذتُ إلى طَرَّادٍ أسألهُ التَّزْويْجَ فكلَّمَهَا، فأبَتْ، فعاوَدَها دَفْعَاتٍ فأبَتْ، فكتَبْتُ إليها بشِعْر هذا وأَوْمأ إلى أبي الطَّيِّب المُتَنَبِّي (b): [من المتقارب]

أرَى ذلكَ القُرْبَ صَارَ إزْوِرَارًا … وصَارَ طَويْلُ السَّلَام اخْتِصَارَا

تَرَكْتني اليَوْمَ في حَيْرَة (c) … أَمُوْتُ مِرَارًا وأحْيَا مِرَارًا

أُسَارِقُكِ اللَّحْظَ في خُفْيَةٍ (d) … وأَزْجُرُ في الخَيْلِ مُهْري سِرَارَا

فلمَّا قرأت ذلكَ، ووَقَفَتْ عليه، لَم تُجِبْني عليه، وأبَتْ.

وقد رَحَلْتُ بها وبأبيها إليكَ أيُّها الأَمِيرُ -أطالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ، وأدَامَ نعماءَكَ، وكثَّر في العُلوِّ ارتقاءَكَ- وأنا وأبُوها نَسْألُك أنْ تُنْفذَ إليها فتَسْألها (e) أنْ تُجِيبَ أو تحْتِمَ عليها، فاسْتَحْسَن حديثَهُ سَيْفُ الدَّوْلَة ورحمَهُ وكُلّ مَنْ حَضَر، وأنْفَذَ إلى الصَّيْقَل فأمَرَها بالطَّاعَةِ والتَّزْويْج فقَبِلَتْ، فزُفَّتْ في دَار سَيْف الدَّوْلَةِ إلى الأعْسَرِ، وأقاما في كَنَفِ سَيْف الدَّوْلَةِ في رَفاهِيَةٍ من العَيْش حتَّى أتاهُما اليَقِيْنُ.


(a) ساقطة من ب.
(b) ساقطة من ب، وانظر الأبيات في ديوان المتنبي بشرح العكبري ٢: ٩٤.
(c) الديوان: حجلة.
(d) الديوان: مستحييًا.
(e) ب: تسألها.

<<  <  ج: ص:  >  >>