للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَظيْمًا، وغُشِي عليها دَفْعات، وأفَاقَتْ فتركَتْني ومَضَتْ إلى الحيَّ، ثمّ رَكِبتُ فَرَسي وقد مضَتِ الكَوَاكِبُ، وبَدَتْ كَوَاكِبُ السَّحر تَتَحَدَّرُ، وإذا بصَوْتِ الحَدِيْدِ وخَشْخَشَتهِ، وإذا بها قد أقبلَتْ في نِسْوان جَمَاعَةٍ، فلمَّا وَقَفَت بي، عَلِمَتْ مَوضِعي، فقالت: باللَّهِ يا أخَوَاتُ قفنَ غير صَاغرات حتَّى أقضي حَاجةً، قُلْنَ: واللَّه لئن جاءَ وعَلِم بإخراجك ليقْتُلْنَّا، قالت لهُنَّ: وأين خَرَج؟ قُلن: خَرَج إلى ابنِ عَمٍّ له، لهُ عليه مالٌ يُريدُ قَبْضَهُ ولعلَّه يَغِيب يوْمَهُ أو يَوْمًا وليلةً، فقالت لهنَّ: فلَسْتُ أتأخَّر، قُلن: فَامْضِي، فدخلتْ إليَّ فقالت: فُكَّ قَيْدِي، فتَمَطَّيْتُ في قيُودها فقطَعْتُها، وأرْكَبْتُها الحَنْفَاءَ وأنا أسيرُ خَلْفَها عُرْيانَ إلَّا سَرَاوِيلَ عليَّ شَاهرًا سَيْفي، وأبْطَتْ (a) عن النّسْوَان فنَذَرُوا بنا فتَزَاعقُوا وتصَارخُوا، وقام أهْلُ الحَيّ، فركبُوا خُيُولهم، فبين مُسْرِجٍ ومُلْجمٍ ومُزْعجٍ ومُرْهج، فامتَدَّ خَلْفَنا ثلاثمائة عنانٍ بين أيديهم العَبِيْد بالحِجَارَة يرْمُونا، وأنا أعْدُو (b) فكُلمَّا علمتُ أنَّهم قد قاربُوني أتقدَّم إليهم فأقْتُل واحدًا واثْنَين (c)، وأُعْطِي رِجْليَّ الرِّيحِ، فقَطَعْتُهم على ذاكَ فَرْسَخين، ثمّ صحْتُ بها: خُذِى عَرْضًا فإنَّك على غَلَط، فأخَذَت عَرْضًا، وسِرْنا وهم خَلْفَنا فصِرْنا قَرِيبًا من الحِلَّةِ، وإذا صَوْت حَوَافر، فلم نَشْعُر إلَّا وقد طَلعَ علينا أسَدٌ في مائتي رَجُل من قَوْمه شَاكِّينَ في السِّلاح، عليهم السَّكِيْنَةُ والوَقَار، فلمَّا سَمعُوا الزَّعْقَات أمْسَكُوا أعنَّتَهم وحبَسُوها (d)، وأحْجَمُوا ساعةً حتَّى عرفُوا أصْحَابهُم، وفَطنْتُ أنا بذلك فصحْتُ بها: إلْحَقِي بأهْلِكِ فأنت قريبةٌ منهم، فأطلَقَتْ للفَرَسِ عنانَهُ فمَرَّ كالرِّيح الهَبُوبِ، أو كالماء السَّكُوبِ حتَّى دَخَلت الحِلَّةَ، واجْتَمع عليَّ الفَيْلَقان ودَارُوا بي كالإكْلِيْل.

ولمَّا دَخَلَت الصَّيْقَلُ الحيَّ، أنْذَرَتْ أهْلَها، فركبُوا على كُلّ صَعْب (e) وذَلُول، واسْتَنْجَدُوا ببَني تَمِيْم وهُم أحْلَافَهُم، وسَارُوا نَحْوي فلَحقُوا بي، فقَاتلُوا


(a) ب: وأبطنت.
(b) ب: أغدوا.
(c) ب: أو اثنين.
(d) ب: وحبسوا.
(e) ب: مصعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>